لقد قدَّرت البابوية وقدرت دول الغرب الخطر الحقيقي الداهم نتيجة لسقوط القسطنطينية بيد العثمانيين، وقد شعروا جميعاً أنهم بفقد هذه المدينة فقدوا أعظم عضد وأمنع معقل يحمي النصرانية في المشرق، وشعرت الأمم النصرانية كلها بأنها تواجه موجة جديدة من الخطر الداهم مشحونة بالويل والثبور على حاضرها ومستقبلها. لقد بدأت الفتوح العثمانية تنساب بسرعة مذهلة إلى شمال البلقان وجازت إلى ما وراء الدانوب، وبدأت القوة البحرية العثمانية تتوغَّل في مياه البحر الأبيض المتوسط وتهدد سيادة البندقية وجنوا البحرية، وكان استيلاء الفاتح على ثغر (أوترانتو) في جنوب إيطالية سنة (١٤٨٠ م) عاملاً جديداً في إذكاء الفزع والروع في إيطالية وباقي الأمم النصرانية.
والحقيقة أن سقوط القسطنطينية كان فاتحة لسلسلة طويلة من الفتوح والانتصارات العثمانية الباهرة في البر والبحر، ولم يأتِ أواسط القرن السادس عشر حتى استطاع العثمانيون أن يبسطوا سلطانهم على مناطق شاسعة في أوروبا الوسطى مثل المجر ورومانيا وجنوب بولونيا وأجزاء من شرق النمسا، وزحف العثمانيون على (فْيِنَّا) وحاصروها لأول مرة في سنة (١٥٢٩ م)، ثم حاصروها للمرة الثانية في سنة (١٦٨٣ م)، وبالرغم من إخفاق العثمانيين في هذين الحصارين الشهيرين، فإن مجرَّد وصول الفتوح العثمانية الى قلب أوروبا النصرانية على هذا النحو، كان مثار الروع في جميع الأمم الأوروبية، وكان في أحيان كثيرة عاملاً من عوامل جمع كلمة العروش النصرانية واتحادها على مقاومة الخطر المشترك ورد الغزاة إلى الجنوب والشرق.
ولم تستطع الدول الأوروبية أن تفعل شيئاً حاسماً ضد العثمانيين