العمل والإنتاج وبسط لهم يداً ندية سخية لا تضنّ بالبذل والعطاء.
وكان السلطان الفاتح يجلّ العالم لعلمه وفضله أياً كان جنسه ودينه وموطنه، وقد حدث بعد فتح (القرمان) أن أمر بنقل العمال والصنَّاع إلى القسطنطينية، غير أن وزيره روم محمد باشا اشتدَّ في الأمر وتعسَّف الناس وأصابهم منه عنت ورهق، وكان من بينهم نفر من أهل العلم والفضل في مقدمتهم الشيخ أحمد جلبي بن السلطان أمير علي من سلالة العالم الصوفي المشهور جلال الدين الرومي، فلما علم السلطان الفاتح بأمره اعتذر إليه وأعاده إلى وطنه مع رفقائه تحفُّ بهم مظاهر التجلَّة والتكريم مثقلين بالهدايا. ومما يلفت النظر أن السلطان الفاتح لم يبعث شخصية من شخصياته إلى الشيخ جلبي أحمد للاعتذار إليه عن سوء معاملة روم محمد باشا له، بل ذهب إليه بنفسه واعتذر إليه وأعاده مع من أراد من صحبه إلى موطنه معزَّزاً مكرَّماً.
وفي فتوحه كان يشدِّد على عدم قتل الأسرى من العلماء وأصحاب المعارف، وحدث بعد هزيمة أوزون حسن أن وقع في يد العثمانيين عدد كبير من الأسرى، فأمر الفاتح بتخلية سبيل العلماء مثل القاضي محمد الشريحي الذي كان من فضلاء الزمان والسيد محمد المنشي وكثير غيرهما من العلماء والفضلاء، وأكرمهم وأحسن معاملتهم وأغدق عليهم العطايا السخية وأسند إليهم المناصب العالية في الدولة.
وبعد فتح (طرابزون) وقع في أسر الجيش العثماني شاعر من الروم يدعى: (جورج أموير تزس) كان قد وصل إلى الفاتح ذكره وشهرته العلمية، فأحسن لقياه واستصحبه معه إلى القسطنطينية وأصبح من خاصته، ورفع الفاتح منزلته ومنحه أعطيات واسعة،