السلطان محمد خان والليل مظلم، وما أدركته بالبصر بسبب الظلمة، ولكن عرفه روحي فعانقته وضممته إليّ ضمّاً شديداً، حتى ارتعد وكاد أن يسقط فما خليته إلى أن يزول عنه الحال". وقال السلطان الفاتح: "كان في قلبي شيء في حقّ الشيخ، فلما ضمَّني إليه انقلب ذلك حباً"، ثم إنه دخل مع الشيخ الخيمة، فصاحب معه حتى طلع الفجر؛ وأذَّن الشيخ للصلاة، وصلَّى السلطان خلفه، ثم قرأ الشيخ الأوراد والسلطان جالسٌ أمامه على ركبتيه يستمع الأوراد (١).
وحدث أيضاً أن السلطان الفاتح بعث مع أحد رجاله بمرسوم إلى المولى الكوراني وكان إذ ذاك يتولَّى قضاء العسكر، فوجد فيه أمراً يخالف الشرع، فمزَّقه وضرب مَن جاء به وحمله إليه. وشقَّ ذلك على السلطان الفاتح وتغلبت عليه سَوْرة الغضب، فعزل الكوراني من منصبه ووقع بينهما نفور وجفوة.
ورحل المولى الكوراني إلى مصر حيث احتفى به سلطانها قايت باي وأكرمه غاية الإكرام، وأقام عنده مدَّة من الزمن.
وما لبث الفاتح أن ندم على ما كان منه، فكتب إلى السلطان قايت باي يلتمس منه أن يرسل إليه المولى الكوراني، فحكى السلطان قايت باي كتاب الفاتح ثم قال: "لا تذهب إليه فإني أكرمك فوق ما يكرمك هو"، فقال المولى الكوراني: "نعم هو كذلك، إلا أن بيني وبينه محبة عظيمة كما بين الوالد والولد، وهذا الذي جرى بيننا شيء آخر، وهو يعرف ذلك مني ويعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا لم أذهب