للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرة واحد منهم بتفسير آيات من القرآن الكريم وتقريرها، ويناقشه في ذلك سائر العلماء ويجادلونه. وكان الفاتح يشترك أيضاً في هذه المناقشات، فكان هذا الدرس الديني بمثابة امتحان لهؤلاء العلماء واختبار لمقدرتهم وكفايتهم، فيبعثهم ذلك على التنافس في الإجادة والإتقان.

والحق أنَّ العالم في حضرة الفاتح كان عرضة للسؤال والامتحان، وكان يعجبه من العالم أن يكون حاضر العلم سريع الإجابة. وقد حدث يوماً أن سأل السلطان الفاتح وهو في طريق عودته إلى القسطنطينية المولى محيي الدين المعروف بابن المغنيسي الذي اشتهر بالجدّ في التحصيل والإكباب على الدرس، عن بيت عربي فقال المولى: "أتفكَّر فيه بالمنزل ثم أجيب"! فقال الفاتح لبعض رجاله: "أحضروا مولانا سراج الدين"، فحضر. وسأله السلطان عن ذلك البيت فقال: "هو للشاعر الفلاني من قصيدته الفلانية من البحر الفلاني"، ثم قرأ البيت وحقَّق معناه، فقال السلطان الفاتح لابن المغنيسي: "ينبغي أن يكون العالم هكذا في العلم والمعرفة والتتبع" (١).

وحتى في ميادين الحرب، كان السلطان الفاتح ينتهز الفترات التي تتوقف فيه رحى القتال، فيعمد إلى مناظرة مَن يكون معه من العلماء، وبلغ حبّه لأهل العلم ومجالسهم أنَّه نبذ ملابس السلطنة الفاخرة وآثر عليها لباس العلماء وتزيا بزيّهم.

ولم يكن السلطان الفاتح أقل ولعاً وكلفاً بندوات الأدباء


(١) الشقائق النعمانية.

<<  <   >  >>