والشعراء ومجالسهم، ولا غرو فقد كان هو نفسه شاعراً، وكان يكتب أشعاره باسم:(عوني)، وهو يعد أول شاعر من السلاطين اتَّخذ لنفسه اسماً مستعاراً، وللفاتح ديوان شعر باللغة التركية.
وكان الفاتح يطرب لسماع الشعر في أي لغة من اللغات التي كان يحذقها، ويتمثَّل بالشعر في بعض المناسبات، كما تمثَّل ببيت من الشعر الفارسي عند دخوله قصر الإمبراطور قسطنطين. وحدث بعد فتح القسطنطينية أن رفع إليه الشاعر الإيطالي (فيليف Philelphe) رسالة وقصيدة يلتمس منه فيهما إطلاق نسوة من ذوي قرباه وقعن في أسر العثمانيين، فأمر السلطان الفاتح من فوره بإطلاق سراحهنّ بغير فدية (١).
وكان طبيعياً بعد ذلك كلّه، أن يطنب الشعراء والأدباء في مدح السلطان الفاتح لما أسداه إلى العلم والأدب من كريم الرعاية وجميل التقدير والتشجيع، وقد مدحه كل شاعر باللغة التي يحسنها.
وفي المجالس العلمية والأدبية التي كان يحضرها الفاتح، كان يحرص أشدَّ الحرص على أن يسودها جو الوقار العلمي وآداب المناظرة والحديث، فكان يطلب إلى كل مناظر أن يكون أميناً في قوله وفي إيراد كلام مناظره، فلا يدلس ولا يغالط. وكان يكره من رجل العلم النفاق والغرور والادعاء ويبتغي منه أن يكون قدوة حسنة للناس في القول والعمل. ولا يتغاضى الفاتح عن عالم صدر منه ما يجافي الدين أو المروءة، فإنه يبعده من مجلسه
(١) وقد كتب هذا الشاعر الإيطالي فيما بعد أرجوزة شعرية في حياة السلطان محمد الفاتح، وهي لاتزال مخطوطة وموجودة الآن بمكتبة جنوا.