في الجغرافية وخريطة له، فقام بمطالعته ودراسته مع العالم الرومي جورج أميروتزوس، ثم طلب إليه الفاتح وإلى ابنه (ابن العالم الرومي) الذي كان يجيد اللغتين الرومية والعربية بترجمة الكتاب إلى العربية وإعادة رسم الخريطة مع التحقيق في أسماء البلدان وكتابتها بوضوح باللغتين العربية والرومية، وكافأهما على هذا العمل بعطايا مجزية.
وليس أدل على اهتمام الفاتح باللغة العربية من أنه طلب إلى الأساتذة بالمدارس الثمان التي أنشأها حول مسجده في القسطنطينية أن يجمعوا بين الكتب الستة في علم اللغة كالصحاح والتكملة والقاموس وأمثالها. ودعم الفاتح حركة التأليف والترجمة لنشر المعرفة بين رعاياه بالإكثار من نشر المكاتب العامة، وأنشأ له في قصره خزانة خاصة احتوت غرائب الكتب والعلوم، وعيَّن المولى لطفي أميناً عليها، وكانت تضم اثني عشر ألف مجلَّد عندما احترقت عام (١٤٦٥م). وجدير بالذكر هنا أن الفاتح كان كثيراً ما يستعيض عن مال الجزية بالكتب والمخطوطات، فمن ذلك أنه طلب مرة من إحدى الجمهوريات الإيطالية أن تدفع له الجزية ببعض المخطوطات الإيطالية.
ب) على أن أهم ما يسترعي النظر والالتفات في السلطان الفاتح، هو ما اتصف به في الناحيتين الدينية والعلمية على السواء من رحابة صدر وسعة أفق وسماحة نفس وإدراك صحيح لمعنى حرية الضمير وحرية الرأي والقول وتطبيقاً لتعاليم القرآن الكريم:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[سورة البقرة ٢: ٢٥٦]. فبرغم ما بلغه من سعة الملك وقوة السلطان ونفاذ الكلمة؛ لم يشأ أن يفرض دينه على أحد، ولم يشأ أن يفرض رأيه على أحد.