كان (هونياد) المجري إبَّان قتاله للعثمانيين قد طلب إلى برنكوفيتش الصربي أن يمضي هو الآخر في قتال العثمانيين، فسأله برنكوفيتش:"وماذا تصنع بديننا إذا أنت انتصرت على الأتراك"؟ فأجاب هونياد:"أحمل الناس على اعتناق الكاثوليكية، وأقيم الكنائس الكاثوليكية في كل مكان"، وكان الصربيون يتَّبعون الكنيسة الشرقية.
ووجَّه برنكوفيتش نفس السؤال إلى السلطان الفاتح، فأجاب:"أقيم إلى جانب كل مسجد كنيسة، والناس أحرار في دينهم، فمن شاء ذهب إلى المسجد، ومن شاء ذهب إلى الكنيسة"(١).
ويزداد تقديرنا لهذه المعاني المعنوية في نفس الفاتح، إذا نظرنا إلى العصر الذي عاش فيه، عصر التعصُّب الديني والفكري - لاسيما في الغرب الأوروبي، حيث تلطَّخت أقطاره بالمذابح والمجازر البشرية الفاجعة ضد المخالفين في العقيدة والرأي. ومذبحة (سانت بارتلمي Saint - Barthelemy) التي حدثت في فرنسا بعد نحو قرن من وفاة السلطان الفاتح وفتك فيها الكاثوليك بموافقة ملك فرنسا شارل التاسع بمواطنيهم البروتستانت غيلة وغدراً، وذبحوهم ذبح الخراف: حادثة معروفة مشهورة.
ولماذا نذهب بعيداً، والمذابح بين الكاثوليك والبروتستانت قائمة على قدم وساق في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد نشبت معارك طاحنة بين الطائفتين المسيحيتين عام (١٩٧٠ و ١٩٧١) في إيرلندا على مسمع ومشهد من العالم كله!!