كما وردت أحاديث تبشر بهذا الفتح في صحيح مسلم - رضي الله عنه - (١).
ولتديُّن السلطان الفاتح، فقد كان لرجال الدين في نفسه مكانة عظيمة، ومن خير ما أسداه نحو العلم والعلماء ما ابتدعه من التنسيق والتنظيم في درجات العلماء ومراتبهم، والتمييز بين المناصب والوظائف كالتدريس والقضاء، وقد جعل التدريس نفسه درجات وكذلك القضاء درجات، فلا يشغل وظيفة من هذه الوظائف إلا من ثبتت كفايته وأهليَّته لها. أما الوظائف الصغيرة التي ليست بذات خطر كالإمامة أو الأذان في مسجد، فكان يكفي فيمن يشغلها أن يكون قد أصاب قدراً من الثقافة الدينية. وكان السلطان الفاتح يحتفظ في قصره بثبت فيه أسماء العلماء ومنزلة كل منهم في العلم، وما له من كفاية وإنتاج، فإذا ما خلا منصب من المناصب الكبيرة في الدولة رجع إلى هذا السجل واختار للمنصب الشاغر أصلح العلماء له.
وقد أظهر السلطان الفاتح في الناحية الإدارية كفاية ومقدرة لا تقلان عن كفايته ومقدرته في الناحيتين السياسية والعسكرية.
وقد كان أول ما قام به عقب توليه السلطنة أن عزل الموظفين القدامى غير الأكفاء وعيَّن مكانهم الأكفاء، واتخذ الكفاية وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته.
واهتمَّ الفاتح بالناحية المالية، فوضع القواعد المحكمة الصارمة في جباية أموال الدولة، وقضى على إهمال الجباة وتلاعبهم، وحارب
(١) راجع أحاديث فتح القسطنطينية في صحيح مسلم ٨/ ١٧٦ - ١٧٧.