للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم، فلا يرى على عبد نعمة إلا وتمنى زوالها، أو تمنى أن تصير إليه، وقد يعقب الأماني السعي في ذلك، والحسد قلما يشفى منه صاحبه، ولذا أمرنا الله بالاستعاذة من الحاسد وحسده {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)} [الفلق: ١ - ٥].

والحسد أول خطيئة عصى الله بها، فالذي منع إبليس من السجود لآدم الحسد، {قَال أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢].

واليهود كفروا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به حسدا، ولم يكتفوا بذلك، بل أعملوا مكرهم في رد المؤمنين عن دينهم {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: ١٠٩].

وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته عن ما يفرق المؤمنين، ويقطع وشائج أخوتهم، ويزرع الأحقاد بينهم، وفي طليعة ما يوجد ذلك الحسد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا (١) ".

وليس من الحسد أن يتمنى المرءُ نعمة مثل النعمة التي أعطيها عبد ما، فذلك هو الغبطة، وليس من الحسد، ففي الصحيحين عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، قال ابن رجب بعد


(١) انظر الحديث وشرحه في جامع العلوم والحكم لابن رجب: ص ٣٠٧.

<<  <   >  >>