[المبحث الثاني الفرق بين العلم والثقافة وأثر هذا الفرق]
" العلم هو مجموعة الحقائق التي توصل إليها العقل الإنساني في مراحل تفكيره وتجاربه وملاحظاته المتسلسلة بتسلسل الزمن، والمحررة بالامتحانات المتكررة، فلا تختلف بتفاوت الأذواق، ولا تتغير بتغير المصالح"(١).
وهذا النوع من العلم تراث إنساني عالمي، لا تختص به أمّة دون أمّة، ولا تحتكره قارة من قارات الأرض، فيكون غيرها عالة عليها فيه، إنه مشاع كالهواء الذي نتنفسه، والبحار التي تحيط باليابسة، وتمخر فيها ألوف السفن حاملة مئات الأعلام، ولا زالت الدول تتبارى وتتنافس في تحصيل هذه العلوم، بل إن الدول الكبرى تبذل الأموال النفيسة لمن يعرفها الأسرار العلمية التي توصلت إليها الدول التي تخالفها في عقيدتها ومبدئها، ولكن رجال الإصلاح ورجال القيادة في تلك الدول نفسها يقضون الليالي الطوال باحثين عن الطريقة التي يحمون بها أبناء أمتهم من العقائد الدخيلة الوافدة.
وقد أقام الغرب الرأسمالي بناءه العلمي الشامخ على النتائج التي توصل إليها علماؤنا المسلمون من قبل في مجال الطب والهندسة والحساب والجبر والفلك وغيرها من العلوم. وإذا كان العلم تراثًا إنسانيًا عالميًا، تتوقف نهضة آية أمة من الأمم على الأخذ به - فإن واجبنا أن نستفيد من علوم الشرق والغرب، والأوائل والأواخر، ونبني الصروح العلمية التي تجعلنا أمّة قويّة مرهوبة الجانب، وقد أمرنا القرآن ببناء القوة الحربية {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠].
وإعداد القوة اليوم المتمثلة في الطائرة والدبابة والبارجة والغواصة والبندقية والمدفع
(١) منهج الثقافة الإسلامية لمحب الدين الخطيب ص ١٠.