" العرف عادة تواضع الناس على اتباعها، معتقدين في قوتها الإلزام، إذ هم يصنعونها بأنفسهم، ويتبعونها على نسق متواتر، حتى تصبح عامّة على نحو يعتقدون معه أنها ملزمة لهم في التعامل"(١).
وكانت أعراف البشر من أعظم ما صدَّ الناس عن أتباع الرسل، فالأعراف والتقاليد ميراث الأجداد، لها سلطان عظيم على النفوس، واحترام كبير عند الأجيال، يفتخرون بالحفاظ عليها، والسير وفق مقتضياتها، ويرون الخروج عليها إثمًا عظيمًا، ولو كانت هذه الأعراف مخالفة للحق الذي ترتضيه العقول السليمة، والشرائع المنزلة {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلا قَال مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قَال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)} [الزخرف: ٢٢ - ٢٥].
والمراد بالأمّة التي وجدوا عليها آباءَهم عاداتهم عادات الآباء وتقاليدهها وطريقتهم، فهم لها متبعون وإن خالفت الحق، وكانت باطلًا، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَينَا عَلَيهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. [البقرة: ١٧٠].
وفي كثير من الأحيان تكون الأعراف دينًا يتبع، وقد يصنع هذه الأعراف
(١) أصول الأحكام الشرعية د، عبد العزيز العلي النعيم، الطبعة الأولى- طبعة دار الاتحاد العربي- القاهرة.