خالط الدخن الثقافة الإسلامية في التصورات والأفكار والعقائد والأعمال وأثر في العقول، كما أثر في تكوين الفرد فانحرف بها السار، وأثر في تكوين الأمة ومسلكها، وقد أنبأنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الذي أصاب الأمة، ففي حديث حذيفة، قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله جاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي" (١).
وهذا الدخن انحراف عن مصادر التلقي الأصيلة، وانحراف في المفهومات والتصورات نتيجة الانحراف عن تلك المصادر الأصيلة، وسنحاول أن نشير إلى أهم هذه الانحرافات:
١ - الانحراف عن مصادر التلقي الأصيلة:
كان المسلمون يستمدون تصوراتهم ومعارفهم وأحكامهم من الكتاب والسنة، ولم يكونوا يقدمون بين يدي الله ورسوله، ولم يكن لهم خيار إذا قضى الله ورسوله أمرًا، وكان العقل تابعًا للشرع، وكانوا ينخلعون من كل الأفكار والعقائد والتصورات التي تخالف الإسلام، ولما ترجمت الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية والصابئية عملت عملها في إفساد عقائد المسلمين، وزاحمت الكتاب والسنة في تكوين عقائد الأمّة وتصوراتها.