أيضًا، ضلت فيه الأمم، وهم يعللون نهجهم هذا تعليلًا حسنًا، فيقولون نحن نريد تنزيه الحق تبارك وتعالى عن صفات الخلق، وهذا أمر مقبول ومطلوب، ولكن ليس طريقه أن ننفي صفات الكمال والجلال التي أثبتها لنفسه خوفًا من الوقوع في التشبيه، وللفرق الإسلامية في هذا المجال اتجاهات:
أ - الجهمية: وهم أتباع الجهم بن صفوان، وهؤلاء غلوا غلوًا عظيمًا في التجريد، فنفوا أسماء الله، ونفوا ما دلت عليه من المعاني، وهم في ذلك يزعمون أنهم ينزهون الله ويوحدونه، وقد كذبوا الله في قوله، فقد أثبت الحق تبارك وتعالى لنفسه الأسماء والصفات، ثم إنهم وقعوا في الأمر الذي منه فروا وهو التشبيه، فقد شبهوا الله بالمعدومات، لأنهم يقولون: الله لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم وليس داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق، ولا تحت، ومن هذا حاله، وتلك صفاته لا يكون موجودا بل معدوما، ولذلك قال العلماء: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل -أي النافي للأسماء والصفات- يعبد عدمًا.
٢ - المعتزلة: وهم أتباع واصل بن عطاء، وكان من تلاميذ الحسن البصري، ثمَّ خالفه فيما ذهب إليه، واعتزل مجلسه، فقال الحسن: اعتزلنا واصل، فسمى وأصحابه بالمعتزلة، وسميت الأصول والقواعد التي تبناها بالمنهج المعتزلي.
وهؤلاء أثبتوا أسماء الله ونفوا الصفات، فقالوا: رحمن بلا رحمة، سميع بلا سمع، قدير بلا قدرة.