ابن يوسف. قال: غنىّ مغنّ فى مجلس أحمد بن يوسف، ولم يك محسنا، فلم ينصتوا له وتحدّثوا مع غنائه فغضب. فقال احمد: أنت عافاك الله تحمل الآذان ثقلا، والقلوب مللا، والأعين قباحة، والأنف نتنا، ثم تقول: اسمعوا مني، وأنصتوا الى! هذا اذا كانت أفهامنا مقفلة، وحواسنا مبهمة، وأذهاننا صدئة! رضيت بالعفو منا، وإلا قمت مذموما عنا؟!.
وحدّثنى محمد بن العباس أيضا، قال: حدّثنى محمد بن عبد الله، قال خاصم أحمد رجلا بين يدى المأمون، فكان قلب المأمون على أحمد «١» فقال وقد عرف ذلك: يا أمير المؤمنين، إنه يستملى من عينيك ما يلقانى به، ويستبين بحركتك ما تجنه لي. وبلوغ إرادتك أحبّ اليّ من بلوغ أملى. ولذة اجابتك احب اليّ من لذّة ظفرى. وقد تركت له ما نازعنى فيه. وسلمت إليه ما طالبنى به. فشكر المأمون ذلك له ومن كلامه: لقد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلّغك من الفضل أبعد غايته. فالآمال إليك مصروفه، والأعناق اليك معطوفه. عندك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة. وبك تثنى الخناصر، وتستفتح أغلاق المطالب. ولا يستريث النجح من رجاك، ولا تعروه النوائب فى ذراك «٢» ومن كلامه: لك جدّ تنجده همتك، وإنعام تفوه به نعمتك. فهى تحسر الناظر اليها، وتحير الواقف عليها. حتي كأنها تناجيه بحسن العقبي، وتوحي اليه ببعد المدى، ولله در نابغة بني ذبيان فى قوله:
مجلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب