ما جئت حتى جاءنى هذا الكتاب. قلت ثم وقفنا فى وقت من الأوقات أن الأمير اتهمه بأنه كاتب فى أمره بعض من يصلح للمكاتبة فى مثله وأن ذلك اتصل به فوجه إلى الأمير «قد علمت الحال التى كنت عليها لابن رائق فى كراهتى له فى آخر أيامه وما أجرى اليه مما يستوجب به إزالة أمره ومكاتبتك لى فيه بما كاتبت. فان كنت مع تلك الحال أذنت لك فى مكروهه، أو تغير عليه مع سخطى وغضبى فإنى سأكاتب فيك على بعد ما بينكما، وأنا فى هذا الوقت مغتبط بك راض بجميع فعلك وأمرك» فضحك بجكم فقال كذا كان وأزال هذا جميع ما بقلبى مما توهمته وعلمت أنه صادق فيه.
قال الصولى: وما رأيت الراضى يقرظ أحدا تقريظه الأمير أبى بكر محمد بن طغج فإنه كان يصفه ويرضى جميع ما هو عليه، وإذا جاءته هدية من قبله استحسن جميعها وفرق علينا منها. وكان يقول إذا ذكره «رجل كبير العقل حسن الطاعة، يشبه أجلاء الموالى الماضين وما أدرى بما أكافئه» ثم أمر فكتبت عنه كتب بأنه قد سماه الأخشاذ وأمره أن يسميه به جميع الناس.
ولما جاءته هديته فى آخر أيامه التى كان فيها الخدم الذين يغنون ويرقصون قال «لقد خصنى بما لم يملك مثله خليفة قط- وكان ربما قال بغير حضرة من لا يثق به- لو كان مثله عندى وكان جيشه مكان هذا الجيش! فانه أشبه بجيش آبائى، وأشد تمسكا بطاعتى» ولقد ذكره يوما فقرظه ووصفه وكان قد تغير لابن رائق تغيرا أبداه