أنه ما جلس مجلسا أكرم عشرة منه لعبيده، وأقبلنا عليهما فقلنا: أبقى لكما الآن شىء بعد هذا فقصرا عن كثير فعلهما ذلك مما تركاه فى وقت:
ومن كرمه أنه كان كلما أراد الشرب وضعت بين أيدينا صوان فيها خماسيات مطبوخ ومغاسل وكيزان ماء ليشرب كل واحد منا ما يريد، ولم يكن يفعل ذلك الخلفاء إلا خصوصا بالواحد بعد الواحد، وبالجماعة فى وقت من الدهر. وإن كان الخدم الشرابية يجيئون بالأقداح فيناولونها الجلساء فيشربونها ويردونها عليهم، وربما أرادوا من الخدم ماء لأقداحهم فيما كسونهم فيه، وكان يأمر بأن يوضع بين أيدينا الفواكه الرطبة واليابسة فننال منها كما ننال فى بيوتنا، وما كانت الخلفاء تفعل بجلسائها ذلك إلا فى الحين إن فعلوه.
وكان كثيرا يقول لكرمه ووفائه ومحبته أن يؤكل طعامه: أمر النبيذ اليكم اشربوا ما شئتم وأمر الأكل إلى لا بد من مطالبتكم به حتى تاكلوا معى، ويمدح من يزيد أكله بين يديه وينفعه ذلك عنده.
ولقد تعشينا ليلة بين يديه فجاءونا بخبز سميذ كبار ما راينا أحسن مما خبز فعزل العروضى رغيفا وقال نوبتى فى غد فى بيتى، وقد استحسنت هذا الرغيف وأريد أكله فى غد فاستبنت أنه قد سر لما فعل العروضى.
وجاءت جامات فيها بوارد فعزلت جاما وقلت: ما ذقت والله أطيب من هذه الباردة وأنا كالشعبان وأريد أن آكلها فى غد مع العروضى فإنا شريكان وفرغنا من الأكل وجلسنا ورفع الرغيف والجام، ثم وضع بين العروضى الرغيف بعينه وفوقه دراهم قد ملأته ووضع بين يديه