خطبته، فوافتنى رقعة بخطه وفيها: أبقاك الله يا محمد قد لحظك طرفى وأنا أخطب وأنت إلى جانب إسحاق قريب منى، غير بعيد عنى فعرفنى على تحرى الصدق واتباع الحق كيف ما سمعت وهل تهجن الكلام بزيادة فيه أو اختل بنقص منه أو وقع ذلك فى لفظه أو إحالة فى معناه جاريا فيه على عادتك فى حال الإمرة غير مقصر عنها للخلافة إن شاء الله فكتبت إليه جواب الرقعة بعد أن أتممت القصيدة أمير المؤمنين أدام الله دولته وأطال فى الملك مدته أجل خطرا وقدرا، وأسنى مجدا وفخرا. وأوسع خاطرا وفكرا من أن يبلغ خاطب خطابته أو يروم بليغ بلاغته أو يدرك فيها واصف صفته إلا بما تناله طاقته وتبلغه غايته ولما وصل إلى عبده سؤاله عن حسن ما وعاه وسمعه وجليل ما حفظه ولقنه من كلامه فى خطبته وتصرفه فى حسنه عجز عن بلوغ كنهه لسانه ولم يؤده شرحه وبيانه ففزع فى وصف ذلك إلى قول من كان أقوم بوصف مثله وأشد استقلالا به وأحسن أداء له وهو حسان ابن ثابت فى وصف كلام جده عبد الله بن عباس نضر الله وجهه وصلى على روحه فانه قال فيه:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بمنتظمات لا نرى بينها فصلا
كفى وشفى ما فى النّفوس فلم يدع ... لذى إربة فى القول جدّا ولا هزلا
يقول مقالا لا يقولون مثله ... كنحت الصّفا لم يبق من غاية فضلا