للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد عُدَّ قولُه: «قَيْدِ الأوابِدِ» في الأبوابِ الثَّلاثَةِ: الاستعارةِ، والوحيِ والإشارةِ، والإردافِ والتتبيعِ، وأحيانًا تأتي الكنايةُ والإردافُ / كشيءٍ واحدٍ كما في هذه الآيةِ، فإنَّها تدخلُ في بابِ الوحيِ والإشارةِ، وفي باب الكنايةِ والتَّعريضِ، وفي باب الإردافِ والتتبيعِ؛ وذلك أنَّ وجهَ بلاغةِ هذه الأبوابِ واحدٌ، وهو المُبالغةُ في الوصفِ والإيجازِ، ولذلك تشارِكُها الاستعارةُ أحيانًا.

فتأمَّلْ هذه التَّنبيهاتِ، تَسْتفِدْ (١) بها معنًى ما تجدُهُ متفرِّقًا ومختلفًا / في كتبِ أربابِ هذا الشَّأنِ: منْ تسميةِ بعضِهم شيئًا بغير ما يُسمِّيه / به الآخرُ، وإدخالِ بعضِهم الآيةَ أو البيتَ في غيرِ البابِ الَّذي يُدخلُه الثَّاني؛ وعلَّةِ ذلك: ما قلتُهُ منْ تغليبِ أحدِ الألقابِ عليه، لظُهورِه في أحدِ الأبوابِ أكثرَ منْ ظُهورِهِ في الآخرِ، فكذلِك قولُ هذه: «طوِيلُ النِّجادِ»؛ فإنَّ طولَ النِّجادِ منْ توابعِ الطُّولِ ولوازِمِهِ، فلنْ / يطولَ نِجادُ أحدٍ إلَّا إذا كانَ طويلًا.

وكذلك قولُها: «عَظِيمُ الرَّمَادِ» منْ توابِعِ الكَرَمِ وروادِفِهِ؛ لأنَّه لا يَكثُرُ رمادُهُ إلَّا لكثرةِ وَقُودِهِ النِّيرانَ للضِّيفانِ.

وكذلك قولُها: «قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِي» من التتبيعِ البديعِ أيضًا؛ إذ العادةُ أنَّه لا ينزلُ قُربَ النَّادِي إلَّا المُنتَصِبُ للضِّيفانِ، فكانَ رِدْفًا / لِجودِهِ وكرمِه.

وكان قولُها: «طَوِيلُ النِّجادِ» أكملُ وأبلغُ من قولِها: طويلًا؛ إذ ثمَّ طولٌ دون طولٍ، / فلمَّا عبَّرتْ عنه بما هو منْ توابِعِه بقولِها: «طَوِيلُ النِّجادِ» أبْلغَتْ (٢) في طولِهِ، وكأنَّها أظهرتْ طولَه للسَّامعِ صورةً يَراها، مع ما في هذه


(١) في المطبوع: «تستفيد»، وهو خطأ.
(٢) في المطبوع: «بالغت».

<<  <   >  >>