الصِّيغةِ منْ طَلاوَةِ اللفظِ مع الإيجازِ؛ إذ لو أرادتْ تحقيقَ طولِهِ المحمودِ، لَطالَ كلامُها.
وكذلك العبارةُ بكثرةِ النِّيران، ونُزولِ قُربَ النَّادِي، مبالغةٌ في الوصفِ بالكرمِ.
وتحتَ هذه الألفاظِ الوَجِيزةِ جُملٌ كثيرةٌ، أعربَتْ هذه الكناياتِ اللطيفةِ والإشاراتِ الخفِيفةِ عنها، وأَيْنَهَا في البلاغةِ والمُبالَغةِ من قولِها لو قالَتْ: زوجي كريمٌ كثيرُ الضِّيفانِ، أو أكرمُ النَّاسِ وأكثرُهم ضيفانًا؟ فإنَّ واحدًا منْ هذه الأوصافِ على كثرةِ ألفاظِها، ومبالغةِ أوصافِها، لا ينتهِي مُنتهَى واحدٍ من قولَيْها:«عَظِيمَ الرَّمَادِ»، أو «قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ / النَّادِي».
ومِنْ هذا البابِ: قولُ العاشرةِ: «قَلِيلَاتُ المَسَارِحِ، كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، إذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أَيْقَنَّ أنَّهنَّ هَوَالِكُ». على أنَّ هذِه قد امتَدَّ نفسُها في الوصفِ قليلًا، ولكنْ بأحسنِ عبارةٍ، وأَمْلَحِ استِعارَةٍ، وألطَفِ إشارةٍ، وليسَ مِنْ شرطِ الإردافِ والتتبيعِ أنْ يكونَ موجَزَ اللفظِ، ولكنَّه قد يأتي أحيانًا كذلك، ولكن يأتي في الكلامِ على هذا النَّحوِ كيفما جاءَ من الدِّيباجةِ والحسنِ ما لا شيءَ فوقَهُ.
ومثلُه قولُ أمِّ زرعٍ: / «أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيِّ»، فعبَّرتْ عنْ كثرةِ ما حلَّاها به بأحدِ توابِعِه وهو صوتُ حركتِهِ، ولا يكونُ ذلك إلَّا مع / كثرتِهِ، ولو قالَتْ:«حَلَّى أُذُنَيَّ» لم يقعْ منَ المُبالغةِ وحُسنِ اللهجةِ موقِعَ قولِها: «أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيِّ».