للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حمى. والذبول الْكَائِن عَن حميات لَيْسَ الْعَارِض فِيهِ يبس فَقَط بل يبس مَعَ حرارة وَهَذِه الْحَرَارَة أَيْضا تنطفئ بِفنَاء الرطوبات وَيرجع الْبدن إِلَى جفاف وَبرد.

قَالَ: وتعرف حمى الدق الَّتِي يعرض فِيهَا ذبول كامن من أسهل الْأَشْيَاء لثباتها وَذَلِكَ أَنَّك ترى الْعَينَيْنِ غائرتين جدا كَأَنَّهُمَا فِي حفرتين لِأَن رطوبتهما قد فنيت حَتَّى ترى الْعِظَام الَّتِي تتصل بهَا الجفنان ناتئة وَترى فِي الْعين رمصاً يَابسا وحالات من اليبس كَحال من سَار فِي غُبَار نَهَاره كُله فِي شمس حارة وَتذهب عَن الْوَجْه والعينين نضارة الْحَيَاة وَترى جلدَة الْوَجْه يابسة مفرط وخاصة جلدَة الْجَبْهَة حَتَّى تُوجد ليبسها صلبة ممتدة وَلَا يكَاد يقدر أَن يشيل جفْنه على مَا يَنْبَغِي لَكِن ترَاهُ كالناعس وعَلى الْأَكْبَر يرى مغمض الْعين كَأَنَّهُ نَائِم وَلَيْسَ مَا يعرض لَهُ من ذَلِك بنوم بل عجز وَضعف عَن الانتباه ويجف لحم صدغيه ويلطأ ويغور وَلَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا الْجلد والعظم وَإِن عري توهمت أَنه لم يبْق من أمعائه وَلَا من احشائه شَيْء وَترى مَا دون الشراسيف منجذباً إِلَى نَاحيَة الصَّدْر انجذاباً شَدِيدا وَإِن لمسته وجدت الْجلد قحلاً جدا فَإِن مددت مِنْهُ موضعا وجدته كالجلد المدبوغ ونبضه متواتر دَقِيق ضَعِيف صلب وحرارته أول وضعك يدك عَلَيْهِ ضَعِيفَة ثمَّ تتبين بعد ذَلِك حدتها وخاصة أَن أطلت وضع يدك عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا من الْبَيَان بِحَال لَا تخفى فَأَما الذبول الَّذِي هُوَ بعد فِي ابْتِدَائه فَهُوَ الَّذِي قد نفدت مَعَه الرُّطُوبَة ألف المبثوثة كالظل وَهِي الرُّطُوبَة فِي خلل الْأَجْزَاء وَقد أشرفت على النفاد والرطوبة الماسكة للأجزاء بَاقِيَة فَإِن الْحمى الَّتِي مَعَ هَذِه متوسطة بَين الَّتِي مَعَ الذبول الصَّحِيح وَبَين الَّتِي إِنَّمَا بدا فِيهَا الذبول ابْتِدَاء وَهِي ابْتِدَاء حميات الدق وَهِي أسهلها علاجاً لِأَنَّهُ إِذا لم تفن الرطوبات الَّتِي فِي خلل الْأَجْزَاء مبثوثة كالظل فَإِن الْحمى دق لم يحدث مَعهَا ذبول فَإِذا شارفت هَذِه)

الرطوبات الفناء فقد قاربت الْحَال الذبول الصَّحِيح فَإِذا فنيت وَأَقْبَلت الْحَرَارَة تفنى الرطوبات الماسكة للأجزاء فَهَذَا الذبول.

قَالَ: وَالْأَمر فِي حميات الدق كلهَا إِذا جَازَت ابتداءه صَعب.

قَالَ: وَلَا يجب أَن تتعرف ابتداءها الْأَيَّام بل بكيفية الْحَال وَهُوَ أَلا تكون الرُّطُوبَة قد نفدت وَلَا الْقُوَّة ضعفت وَفِي هَذَا الْوَقْت تكون هَذِه الْحمى سهلة العلاج وَتَكون سهولته بِحَسب قربهَا من الْحَال الطبيعية وعسره بِحَسب قربهَا من حَال الذبول الصَّحِيح وَهَذِه الْحمى سريعة الْبُرْء إِلَّا أَن يُخطئ الطَّبِيب. ٣ (مَرَاتِب حمى دق) لي قد بَان من كَلَام جالينوس أَن حمى دق لَهَا ثَلَاث مَرَاتِب أولاها مَا دَامَت مبتدئة وَهِي أَن تكون الرطوبات وَالْقُوَّة بَاقِيَة وَهِي سهلة العلاج. وَالثَّانيَِة أَن تكون الرطوبات وَالْقُوَّة قد فنى مِنْهَا شَيْء وَلم تنفذ كلهَا وَهَذِه بِحَسب قربهَا وَبعدهَا من الطَّرفَيْنِ تكون سلامتها ورداءتها. وَالثَّالِثَة أَن تكون الرُّطُوبَة كلهَا فنيت وَالْقُوَّة قد بطلت وَظَهَرت عَلَامَات الذبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>