الْأَبدَان المرارية والناقصة الدَّم.
٣ - (من كتاب الأخلاط)
قَالَ: الْأَطْعِمَة الَّتِي تولد الدَّم الْجيد إِذا أَخذ مِنْهَا مَا فَوق الطَّاقَة تولد بلغماً.
أبقراط فِي الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: من جرت عَادَته أَن يَأْكُل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ إِن انْتقل إِلَى أَن يَأْكُل مرّة دفْعَة من غير تدرج حدث لَهُ ضَرُورَة ضَرَر وَضعف وَمن انْتقل من عَادَته أَن يَأْكُل مرّة إِلَى مرَّتَيْنِ أضعفه غذاؤه على الْمَكَان وأثقل بدنه وأرخاه وكسله وتجشأ من غذائه جشاء حامضاً وَرُبمَا عرض لَهُ ذرب وَذَلِكَ أَنه يثقل الْمعدة عَن عَادَتهَا وَإِنَّمَا كَانَت عَادَتهَا أَن تهضم الطَّعَام مرّة لَا مرَّتَيْنِ وَمِنْهُم من إِن تعشى كرب وقلق وعسر نَومه وَكثر تقلبه على فرَاشه لِأَن كَثْرَة الْأَطْعِمَة تفعل ذَلِك وخاصة فِيمَن لم يعْتد ذَلِك وَقد لَا ينْتَفع من هَؤُلَاءِ أَعنِي من يثقل عَلَيْهِ الطَّعَام بِأَن ينَام بِمِقْدَار لَيْلَة تَامَّة أما فِي الشتَاء فَمَعَ توقي الْبرد وَفِي الصَّيف للْحرّ فَإِن لم يُمكنهُم النّوم فليمشوا مشياً رَفِيقًا كثيرا من غير أَن يستريحوا فِي الْوسط فَإِذا كَانَ بعد ذَلِك أكلُوا أكلا خَفِيفا جدا وَيَشْرَبُونَ شرابًا صرفا قَلِيلا لِأَن ذَلِك يُعِيد الْمعدة إِلَى قوتها وَمن اعْتَادَ الْأكل مرَّتَيْنِ فَأكل مرّة استرخى بدنه وَضعف وَعرض لَهُ وجع فِي الْفُؤَاد حَتَّى يتَوَهَّم أَن أحشاءه معلقَة واحتد بَوْله.
وَمِنْهُم من يُصِيبهُ غثيان وقيء وغؤور الْعين ألف ي واختلاج الأصداغ وَبرد الْأَطْرَاف)
ويمر فَمه إِن كَانَ صفراوياً وَإِنَّمَا تبرد أَطْرَافهم لنُقْصَان الْحَرَارَة الغريزية وانصباب الأخلاط المرارية فِي الْمعدة وَأكْثر هَؤُلَاءِ إِذا ترك غذاءه اخْتَلَط عَلَيْهِ أَيْضا عشاؤه وصعب عَلَيْهِ نَومه.
وَإِذا أردْت أَن تعيد من ترك طَعَامه إِلَى عَادَته فَوْقه أَولا الْحر وَالْبرد فَإِنَّهُ مِمَّا يصعب عَلَيْهِ وَلَا يحْتَملهُ وَاجعَل كمية غذائه أقل مِمَّا جرت بِهِ عَادَته لِأَن الْمعدة قد ضعفت واجعله رطبا لِأَنَّهَا قد جَفتْ واسقه شرابًا غير ممزوج بِمِقْدَار طَعَامه لِأَن الممزوج يضعف الْمعدة والقليل المزاج يجفهها وَهُوَ يحْتَاج إِلَى مَا يقوى وَلَا يجفف ثمَّ دَرَجه بغذاء أَكثر حَتَّى تعيده إِلَى عَادَته.
الْأَبدَان المرارية يَضرهَا تَأْخِير الْغذَاء وَتَركه فَأَما البلغمية فَلَا. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تنظر فَلَعَلَّ الْبدن إِنَّمَا يغلب المرار والبلغم على معدته فَقَط لَا على كل مزاجه لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ ذَلِك فَهَذَا الحكم فِيهِ صَحِيح وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لِئَلَّا يغلظك أَن ترى بدناً الْغَالِب عَلَيْهِ فِي جثته وسخنه البلغم فيجرى الحكم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ يتَوَلَّد فِي معدته مرار كثير وَهَذَا يضرّهُ الْإِمْسَاك عَن الْغذَاء وَجَمِيع مَا حكيناه.
والأطعمة المعتدلة والأشربة أفضل من غَيرهَا لمن اعتادها وَإِن كَانَت أحسن مِنْهَا لِأَنَّهَا فيهم أَجود وأسهل هضماً وَأَقل توليداً للأمراض.
روفس فِي كتاب الشَّرَاب: من أَرَادَ أَن يجلس بعد أكله وَيشْرب يَوْمه فَلَا يسرف فِي الرياضة قبل الطَّعَام فَإِنَّهَا تتعبه وتنقله وتنميه إِذا أكل وَمن أَرَادَ النّوم فليتعب قبل الطَّعَام وليقدم قبل أكله مَا يدر الْبَوْل كالكرفس وَنَحْوه وَيجْعَل طَعَامه جملَة يَوْمه ذَلِك الَّذِي يُرِيد أَن يشرب فِيهِ أقل فَإِنَّهُ أصلح لبدنه وَأَصَح من غذ وَإِن كَانَ بدنه ضَعِيفا فليجنب السكر فَإِن السكر ألف ي رَدِيء وخاصة فِي الْأَبدَان الضعيفة وَإِن اتّفق أَن يشرب كثيرا مَعَ أكل كثير فليدفع ضَرَره بالقيء فَإِن تهَيَّأ أَن يشرب بعد الْقَيْء مَاء الْعَسَل ويتقيأ أَيْضا فَإِنَّهُ جيد وليتمضمض بعد ذَلِك بِمَاء وخل وَيغسل وَجهه بِمَاء بَارِد.
وَقَالَ فِي كتاب شرب اللَّبن: إِن التَّعَب بعد الطَّعَام يحمض الطَّعَام.
وَقَالَ روفس فِي كِتَابه إِلَى الْعَوام: أما تَدْبِير من كَانَ صَحِيحا فَأَرَادَ حفظ صِحَّته أَن يروض بدنه بِالْأَعْمَالِ قبل الطَّعَام وَأَن تكون تِلْكَ الْأَعْمَال قد اعتادها فَإِنَّهَا أوفق وأنفع ثمَّ ليتناول مِنْهَا مَا قد اعْتَادَ أكله وَعرف أَنه أَنْفَع لَهُ ويجتنب مَا علم أَنه يضرّهُ فَإِن كل إِنْسَان أعلم بذلك فِي نَفسه من الطَّبِيب لِأَن من الْأَطْعِمَة مَا ينفع بعض النَّاس دون بعض ويضرهم لأمر لَا)
يعرفهُ الْأَطِبَّاء وَلَا يُدْرِكهُ إِلَّا بالتجربة وَتَكون كميته بِقدر مَا يسهل عَلَيْهِ هضمه وبقدر تَعبه وعرفه ومراره وَيَأْكُل فِي المرات بِحَسب عَادَته وَذَلِكَ أَن من النَّاس من يثقل جدا إِذا أكل طَعَامه فِي مرّة وَمِنْهُم من ينْتَفع بذلك وَاتبع فِي الْجُمْلَة الْعَادة فَإِن قوتها عَظِيمَة وسل كل وَاحِد عَن تَدْبيره لنَفسِهِ واعرف ذَلِك مِنْهُ ثمَّ دبره كَذَلِك.
والامتلاء من الطَّعَام رَدِيء وَإِن هضمته الْمعدة فَإِن الْعُرُوق ينالها مِنْهُ ضَرَر وتمددت وتشققت وأورثت أوجاعاً كَثِيرَة وَكَثُرت البخارات فِي الْبدن لِكَثْرَة الدَّم لِأَن قلَّة البخارات وَكَثْرَتهَا تَابِعَة لكمية الدَّم.
قَالَ: وَيجب إِن أَكثر يَوْمًا من الطَّعَام لشَهْوَة أَن يتقيأه من سَاعَته ويلطف تَدْبيره من غَد فَمن أدمن التملي من الطَّعَام وَلم يسْتَعْمل أَنْوَاع الاستفراغات كثرت الفضول فِي عروقه وَمن لم ينهضم طَعَامه عرض لَهُ ثقل ووجع فِي الْقلب وملأ أمعاءه رياحاً وَعرض لَهُ وجع