أَن ذَلِك الاستفراغ إِمَّا أَن يكون لِكَثْرَة الأخلاط وَإِمَّا من غير الْخَلْط الَّذِي يجب وَإِمَّا لضعف الطبيعة وَكلهَا ردي يحْتَاج أَن يطال فِيهَا الْكَلَام ثمَّ نستقصيه فِي كتَابنَا فِي البحران.
لى: من محنة الطَّبِيب أول مَا يحْتَاج أَن تعرف: هَل يَمُوت العليل أَو يسلم فَإِن يسلم فببحران تَامّ أَو يتَحَلَّل ببحران بَين أَو ببحران نَاقص أَو يحلل ذَلِك فِي الْمَوْت ثمَّ هَل البحران يحذر مَعَ شدَّة وخطر أَولا ثمَّ فِي أَي يَوْم يكون بِأَيّ نوع يكون ثمَّ حريز وثيق هُوَ أَولا فَهَذَا من رُؤُوس تقدمة الْمعرفَة. وَيجب أَن تضع أَولا عَلَامَات النضج لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهَا فِي تعرف السَّلامَة والهلاك ثمَّ عَلَامَات الْقُوَّة والضعف ثمَّ عَلَامَات السَّلامَة والهلاك ثمَّ عَلَامَات البحران والتحلل ثمَّ عَلَامَات نوع البحران. ثمَّ عَلَامَات أَي نوع يكون ثمَّ عَلَامَات أحريز هُوَ أم لَا فعلى هَذَا وَقَالَ: دعيت إِلَى عليل قد سَقَطت قوته حَتَّى أَن أَهله كَانُوا يغذونه بِاللَّيْلِ مرَّتَيْنِ فضلا عَن النَّهَار فَلَمَّا جسست نبضه قضيت أَن فِي بعض أحشائه ورما وَقد كَانَ ذَلِك الورم ظهر للنَّاس بالحدس فَأمرت أَلا يغذى الْبَتَّةَ وَأَن يتْرك قاراً هادئاً وَلَا يُحَرك بِشَيْء الْبَتَّةَ إِلَى أَن آمُرهُم بِهِ. وَمَا كنت آمُرهُم بذلك لَوْلَا أَنِّي علمت يَقِينا أَن الْمَرَض قد قرب منتهاه والبحران قد حضر وَأَنه لم يبلغ من ضعف العليل أَلا يحْتَمل أَن يقْلع عَنهُ الْغذَاء يَوْمًا وَاحِدًا وَكَانَت الْمدَّة الَّتِي أتوقع فِيهَا البحران هَذِه الْمدَّة وَلَو أَنِّي رَأَيْت طَبِيعَته مستعدة لِأَن تعْمل بحراناً باستفراغ لَكُنْت سأستفرغه فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَة ذَلِك الْيَوْم اشتدت الْحمى وَاخْتَلَطَ الْعقل وأعلمتهم أَنه لَا بَأْس عَلَيْهِ وَأَنه سيعرق عِنْد انحطاط النّوبَة ثمَّ فارقته فَلم يعرق العليل تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَقْبل اخْتِلَاط الْعقل يزِيد حَتَّى بلغ الْغَايَة. فَجَاءَنِي رجل من أَهله فِي السحر فَأَخْبرنِي بذلك وَكَانَ يؤمي إِلَى أَنِّي أَخْطَأت فِي تركي إِيَّاه بِلَا غذَاء وَإِن سَبَب شدَّة الِاخْتِلَاط إِنَّمَا كَانَ لذَلِك وَإنَّهُ يجب أَن يظل على رَأسه وتوضع عَلَيْهِ الأدهان. ففكرت: لم تَأَخّر البحران فَوجدت: أَن الْبَيْت الَّذِي كَانَ العليل فِيهِ كَانَ شَدِيد الْبرد فَأمرت أَن يُوقد فِيهِ حَتَّى يدفأ ثمَّ يصب على بطن العليل دهن جَار إِلَى أَن يَبْتَدِئ الْعرق فَإِذا برأَ امسك عَن الدّهن وتعاهدوا مسح الْعرق وأمنتهم من الْخَوْف والعرق وأعلمتهم أَنه لَيْسَ يُمكن أَن يَجِيء مِنْهُ شَيْء كثير دفْعَة وَتَقَدَّمت إِلَيْهِم أَن يغذوا العليل إِذا انْقَطع)
الْعرق فَلَمَّا فعلوا ذَلِك عرق الْمَرِيض وأقلعت الْحمى وَخفت عَلامَة الورم الَّذِي فِي جنبيهفي ذَلِك الْوَقْت وَبقيت مِنْهُ بقايا عالجناها حَتَّى برأَ مِنْهَا الْبُرْء التَّام فِي ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة. وَلَو أَن غَيْرِي تولى علاج هَذَا لَكَانَ قد قَتله لِأَنَّهُ فِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ يغذوه وَيصب عَلَيْهِ وعَلى رَأسه مَا يصب وكل هَذَا كَانَ يمْنَع الطبيعة أَن يَأْتِي البحران.
قَالَ: وَلِأَن أبقراط قَالَ: يجب أَن تستفرغ الفضول من حَيْثُ هِيَ إِلَيْهِ أميل وَكَانَت فِي هَذَا مائلة نَحْو الْجلد فاستفرغتها بالعرق.
من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة قَالَ: لماجسست نبض أوديمس قلت لَهُ: إِن طبيعتك قد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute