فِيهِ وَلَيْسَ يُمكن أَن يكون كَذَلِك الشَّيْء السَّرِيع الانهضام فِي غَايَة الْغذَاء وكثرته وَهُوَ مَعَ ذَلِك خَفِيف سريع الانهضام وَلَيْسَ يُمكن أَن يكون الشَّيْء الْكثير الْغذَاء فِي الْغَايَة غير لزج وَذَلِكَ أَنه لَو كَانَ الْغذَاء يهضم نَفسه وَينفذ نَفسه وَيلْزق بالجسم من غير أَن تكون الطبيعة تحيله وتقلبه لَكَانَ الْكثير الْغذَاء فِي الْغَايَة أوفق لهَذَا الْجِسْم وَلَكِن لإن الْغذَاء يجب أَن يَسْتَحِيل فَلهَذَا لَيْسَ ينفع هَذَا الْأَبدَان الأغذية الْكَثِيرَة الْغذَاء وَهِي تبطئ وتضعف عَنْهَا هَذِه الطبائع وَلَا تحْتَاج أَيْضا إِلَى الطَّعَام الَّذِي فِي غَايَة سرعَة الهضم إِذْ كَانَت هَذِه لَا يُمكن أَن تغذو غذَاء كثيرا فَلهَذَا يَنْبَغِي أَن تجْعَل غرضك فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا أَعنِي أَن يخْتَار الْكثير التغذية السَّرِيع الهضم غير اللزجة وَغير الصلبة.
قَالَ: وَتَنَاول شراب وَذَلِكَ أَن جَمِيع من ينعش بدنه لَا يصلح لَهُ من الْأَشْرِبَة غير الشَّرَاب وَحده بعد أَن لَا تكون حمى وَيكون الشَّرَاب مائياً وَفِيه قبض يسير وليتوقوا الشَّرَاب الْقوي لإنه يضرهم بقوته فَأَما الشَّرَاب المائي الْقَابِض الْقَلِيل الِاحْتِمَال للْمَاء فَإِنَّهُ أَنْفَع الْأَشْيَاء لَهُم لإنه قد)
جَاوز حد المَاء وَبعد عَن مَا هُوَ عَلَيْهِ المَاء من الضعْف وَلم يبلغ إِلَى حد القوى فِيمَا يحذر من مضرته وَليكن مِقْدَار مزاج المَاء بِحَسب مَا تقصد إِلَيْهِ الْأَعْرَاض الَّتِي وصفت لَك وَاعْلَم أَن المَاء لبرودته يبطئ فِي الْمعدة وَفِيمَا دون الشراسيف وَيحدث نفخاً وقراقر وَيحمل قُوَّة الْمعدة وَيصير ذَلِك سَببا لسوء الاستمراء وَلَا يعين على نُفُوذ الْغذَاء كَبِير مَعُونَة وَأما الشَّرَاب فبالضد من ذَلِك أَعنِي أَنه يسْرع النّفُوذ ويحلل النفخ ويبدرق الْغذَاء ويولد دَمًا جيدا ويسرع التغذية وَيزِيد فِي قُوَّة الْأَعْضَاء ويسوق الفضول إِلَى البرَاز وأسقه مِنْهُ بِقدر مَا لَا يطفو فِي معدته وَلَا تُوجد لَهُ قراقر وَليكن غذاؤه بِقدر مَا لَا يثقل الْمعدة لتخف ويزل عَنْهَا فِي أسْرع الْأَوْقَات وَحَتَّى لَا تتمدد الْمعدة وَلَا تنتفخ وتفقد فِي الْيَوْم الأول فَإِن رَأَيْت قد عرض شَيْء من هَذَا نقصت من الْغذَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي بِقدر الْعَارِض فَإِن لم يعرض فِيهِ شَيْء زِدْت فِيهِ شَيْئا يَسِيرا وَكَذَا تفعل فِي الْيَوْم الثَّالِث تزيد وتنقص بِحَسب مَا يُوجب كَمَا تزيد النَّاقة وَمن احْتَاجَ إِلَى إنعاش بدنه فَمن الْوَاجِب أَن تزيد فِي حركته بالركوب وَالْمَشْي بِقِيَاس زِيَادَة الْبدن وَتفعل سَائِر مَا يجب أَن تَفْعَلهُ على طَرِيق التَّدْبِير المنعش وَهُوَ تَدْبِير النَّاقة فَإِن ذَلِك التَّدْبِير وَهَذَا من جنس وَاحِد إِلَّا إِن ذَلِك أصعب لإن مَعَه ضعف الاستمراء قَالَ بَين هَذَا وَبَين النَّاقة: إِن حَال النَّاقة فِي جملَة بدنه كَحال هَذَا فِي معدته فَقَط والناقة إِنَّمَا يذهب لَحْمه لإن الرطوبات الَّتِي تتغذى بهَا الْأَعْضَاء تَجف على طول الْأَيَّام وَأما هَذَا فَلِأَن معدته تَجف بهزال بدنه على طول الْأَيَّام لإنه لَا يتغذى قَالَ: وَهَذِه ألف ألف الرُّطُوبَة الذاهبة من هذَيْن يُمكن أَن تخلف بالغذاء لإنهاليست تِلْكَ الرُّطُوبَة الَّتِي بهَا إتحاد أَجزَاء الْأَعْضَاء بل هِيَ الَّتِي هِيَ مبثوثة فِي خلل الْأَعْضَاء كالرذاذ قَالَ: فَإِذا رجعُوا قَلِيلا فزد فِي التَّدْبِير المنعش المقوي وزد فِي الدَّلْك وَالرُّكُوب وكمية الْغذَاء وكيفيته لتجعله بذلك أَكثر اغتذاء فَإِذا قَارب الصِّحَّة فاقطع عَنهُ كشك الشّعير وَاللَّبن والحسو الْمُتَّخذ من الخندروس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute