لي جَمِيع مَا عده جالينوس من أَنْوَاع اليبس أَرْبَعَة أسهلها الَّتِي تَجف بِهِ الرطوبات الَّتِي فِي تجويف الْعُرُوق الصغار وَهُوَ أول يبس يعرض للبدن وَذَلِكَ أَنه لم يُمكن أَن تَجف الرطوبات الَّتِي فِي خلل الْأَجْزَاء وَالثَّانِي بعده الَّتِي تَجف بِهِ الرطوبات الَّتِي فِي خلل الْأَجْزَاء وَالثَّالِث الَّذِي لم تَجف بِهِ الرطوبات الَّتِي للأعضاء نَفسهَا الخاصية بجوهرها لَكِن تَجف بِهِ بعد رطوبات الْأَعْضَاء الْقَرِيبَة الْعَهْد بالجمود كالشحم وَاللَّحم الرطب وَالرَّابِع أَن تَجف رطوبات الْأَعْضَاء الصلبة كالقلب والمعدة وَنَحْوهمَا.
قَالَ: ومداواة اليبس الَّذِي قد جَفتْ فِيهِ الرطوبات الَّتِي فِي تجويف الْعُرُوق الصغار يَنْبَغِي أَن تكون مداواة لبرودة الْجِسْم فَإِن ذَلِك أولى من اليبس لِأَن الْبُرُودَة هِيَ الْغَالِبَة على الْجِسْم واليبس تَابع لَهُ وَلِهَذَا صَارَت مداواته سريعة فَإِن دبرت هَؤُلَاءِ بِأَن تسخنهم يَوْمَيْنِ إسخاناً معتدلاً وتغذوهم صلح أَن تعطيهم فِي الْيَوْم الثَّالِث غذَاء أغْلظ قَلِيلا وَلَا يضرهم وَيكون فِي الْيَوْم الرَّابِع أحسن حَالا وَكَذَا فِي الْخَامِس وَمَا بعده.
لي لم يُعْط جالينوس لشَيْء من هَذِه عَلَامَات يفرق بَينهَا. قَالَ: ويبس الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذا طَال يتبعهَا الْبرد لِأَن الْأَعْضَاء إِذا لم تغتذ بردت فِي أسْرع وَقت قَالَ: وَلَكِن مَا مضى من كلامنا إِنَّمَا كَانَ فِي مداواة يبس لَا برودة ظَاهره مَعَه وَلَا حرارة فلنقرن إِلَيْهِ الْآن برودة تكون علاماتها ظَاهِرَة وَلَا تكون عَظِيمَة.
سوء المزاج الْبَارِد الْيَابِس قَالَ: وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يكون غرضك غَرضا بسيطاً بل مركبا لِأَنَّك تحْتَاج أَن ترطب وتسخن واليبس الْيَسِير لَيْسَ علاجه صعباً بل اليبس الْقوي لِأَنَّهُ يحْتَاج أَن يعالج بالغذاء والغذاء إِنَّمَا يحْتَاج فِيهِ أَن يلزقه المتغذى بِنَفسِهِ والمتغذى فِي هَذِه الْحَال ضَعِيف وَمن أجل هَذَا يُمكن إِذا كَانَ قد يبس يبساً يَسِيرا أَن يتغذى بغذاء أغْلظ وَلم يتخوف حِينَئِذٍ الغلظ فِي مِقْدَار الْغذَاء.
لي كَيفَ صَارَت غَلَبَة الْحَرَارَة لَا تهدأ الْقُوَّة فِي هَذَا اليبس وَكَذَلِكَ الْبُرُودَة أَقُول: ذَلِك لِأَن الطبيعة كَأَنَّهَا تستمد من الرُّطُوبَة ألف ألف والالتصاق والانفعال إِنَّمَا بِهِ يكون والكون مِنْهُ واليبس هُوَ السَّبَب الفاني قَالَ: إِذا كَانَ اليبس شَبِيها بِالْأولِ وَمَعَهُ برد يسير فاخلط بِالتَّدْبِيرِ المرطب مَا يسخن بِمِقْدَار تِلْكَ الْبُرُودَة الْيَسِيرَة فاخلط مَعَ اللَّبن فضلا عَن الْعَسَل وقلل مزاج الشَّرَاب أَو اجْعَلْهُ أعتق وَلَا يُجَاوز ذَلِك النَّوْع الَّذِي ذكرنَا وأطعمه من الطَّعَام مَا كَانَ أسخن بالطبع وَالْفِعْل. وكمد الْمعدة تكميداً متوالياً بدهن ناردين لَا تخلها من الدّهن فتجف وَإِن لم يكن دهن الناردين فدهن المصطكى وكمد أَيْضا بدهن البلسان وَحده ومخلوطاً وَمَتى أردْت طول لبث الدّهن على الْجِسْم فاخلط بشمع وَإِن كَانَ الْهَوَاء بَارِدًا فضع صوفة منفوشة مبلولة بذلك الدّهن وَضعهَا على الْبَطن واسحق المصطكى بدهن بِلِسَان وبلّ فِيهِ صوفة منفوشة مبلولة وَضعهَا على الْبَطن وَلَا يجب أَن يكون للدواء الَّذِي يسخن بِهِ هَذَا الْبدن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute