للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك، ومتى كان يتقاضى الدائن دينه في مثل هذه الساعة من الليل، وهل أعياها أن تجد من يقوم لها بذلك فهي تتولاه بنفسها، وهلا فرغت من أمر دينها بعد اختلافها إليه سنة كاملة، قال: إن بينها وبين غريمها صكا مكتوبا أن يؤدي ما عليه من الدين أقساطا في كل ليلة قسط على أن تتناوله بيدها وأن تكون مواعيد الوفاء أخريات الليال، قال: ما سمعت في حياتي بأغرب من هذا الدين ولا أعجب من هذا الصك, ومن هو غريمها؟ قال: أنت سيدي، فنظر إليه نظرة الحائر المشدوه١ وقال: إني أكاد أجن لغرابة ما أسمع, وأحسب أنك هاذ فيما تقول أو هازئ، فدنا منه الخادم وقال: والله يا سيدي ما هزأت في حياتي ولا هذيت، ألا تذكر تلك الليالي الطوال التي كنت تقضيها خارج المنزل بين شهوة تطلبها، وكأس تشربها، وملاعب تجرر فيها أذيالك، ومراقص تهتك فيها أموالك، تاركا زوجتك في هذه الغرفة على هذا السرير تشكو الوحشة، وتبكي الوحدة، وتتقلب على أحر من الجمر شوقا إليك، وحزنا عليك، فلا تعود إليها إلا إذا شاب غراب الليل، وطار نسر الصباح، إنك سلبتها تلك الليالي السالفة فأصبحت غريمها فيها فهي تستردها منك اليوم ليلة ليلة حتى تأتي


١ المشدوه المدهوش.

<<  <  ج: ص:  >  >>