التي يكون مرجعها قلة المال, كأن يقع الرجل في خصومة يرى أنه لولا ضيق ذات يده لما وقع فيها, فلا يكون له فكر بعد ذلك إلا في التوقي من الوقوع في أمثالها، فكلما تمثلت له نكبته لج به الحرص وأغرق في المنع حتى يصير ذلك غريزة فيه وخلقا له، ومن ذلك جديد النعمة الذي ذاق مرارة الفقر برهة من الزمان, وتجسمت آلامه في نظره فإنه مهما حسنت حاله وأقبلت عليه الدنيا بوجهها وفاضت خزائنه بالذهب لا تذهب من فمه تلك المرارة, ولا تضيع من ذاكرته آلامها, فلا يزال يملك قلبه وسواس مقلق يخيل إليه ما لا يتخيل ويريه ما لا يرى, كمن تمثل له خيال الشيطان مرة في أبشع صورة وأفظع شكل فهاله منظره وذهب الخوف الشديد برشده وطار بطائر عقله فلا يزال يراه في كل مكان وزمان، وفي حالتي الأمن والخوف، والوحشة والأنس.
الخامس -اللؤم- فإن النفس إذا خبثت طينتها ولؤم طبعها كان من أخص صفاتها الحقد على الوجود بأجمعه وبغض الخير للناس قاطبة, فكيف يمنحهم من ذات يده ما يزيده ألما على ألم وحسرة فوق حسرة، وهو لو استطاع أن يكف عنهم سارية السماء ويعترض دونهم نابتة الأرض لفعل.