المتملقين وليس بينه وبينها إلا الحرص الذي لا يتكلفه ولا يتعمل له والذي هو أشهى الأشياء إليه وأكثرها ملاءممة لفطرته ليزداد شرفا وعزا، كلما ازداد بالحرص ثراء ووفرا، ومن هنا قال أحد البخلاء لأولاده: يا بني لأن يعلم الناس أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، وقال رجل لآخر: يا بخيل، فقال له: لا أحرمني الله بركة هذا الاسم فإني لا أكون بخيلا إلا إذا كنت غنيا فسم لي المال ولقبني بما تشاء.
هذه هي أهم الأسباب التي تألفت منها رذيلة البخل فإن أغفلنا النظر إليها, وسلمنا للسائل صحة سؤاله عما يستفيده البخيل من بخله حتى على نفسه, وفرضنا البخيل مختارا فيما يفعل غير مساق إلى هذا المورد الوبيل بسائق الغريزة الفاسدة كان منال النجم أقرب من تطبيق حاله على قاعدة من قواعد العقل؛ لأن الله تعالى خلق الإنسان وركب فيه رغبات وشهوات مختلفة بعضها نفسي والآخر جسدي، فهو لا يزال يتطلبها ما لم يعجز عنها، فصاحب المال الكثير الذي يقنع بالشملة والمضغة، والجرعة والظلة، ويحمل في كل لحظة أشد الآلام من مقاومة نزوات نفسه إلى ميولها ورغباتها، لا يمكن أن يحمل حاله على محمل العجز؛ لأنه قادر، ولا على الزهد؛ لأنه ما زهد فيما لا ينفع فيزهد فيما ينفع، ولا على