يا طالب العلم أنت لا تحتاج في بلوغك الغاية التي بلغها النابغون من قبلك إلى خلق غير خلقك، وجو غير جوك، وسماء وأرض غير سمائك وأرضك، وعقل وأداة غير عقلك وأداتك، ولكنك في حاجة إلى نفس عالية كنفوسهم، وهمة عالية كهممهم، وأمل أوسع من رقعة الأرض وأرحب من صدر الحليم، ولا يقعدن بك عن ذلك ما يهمس به حاسدوك في خلواتهم من وصفك بالوقاحة أو بالسماجة، فنعم الخلق هي إن كانت السبيل إلى بلوغ الغاية، فامض على وجهك ودعهم في غيهم يعمهون.
جناحان عظيمان يطير بهما المتعلم إلى سماء المجد والشرف، علو الهمة، والفهم في العلم، أما علو الهمة فقد عرفته، وأما الفهم في العلم فإليك الكلمة الآتية:
العلم علمان، علم محفوظ وعلم مفهوم، أما العلم المحفوظ فيستوي صاحبه فيه مع الكتاب المرقوم، ولا فرق بين أن تسمع من الحافظ كلمة، أو تقرأ في الكتاب صفحة، فإن أشكل عليك شيء مما تسمع فانظر إن نطق الكتاب بشرح مشكلاته، نطق الحافظ بتفسير كلماته.
الحافظ يحفظ ما يسمع؛ لأنه قوي الذاكرة، وقوة الذاكرة قدر مشترك بين الذكي والغبي والنابه والأبله؛ لأن الحافظة ملكة