مستقلة بنفسها عن بقية الملكات، وإنك لترى الشيخ الفاني الذي لا يميز بين الطفولة والهرم، والذي يبكي على الحلوى بكاء الطفل عليها، ويرتعد فرقا إذا سمع ابنته تخيف طفلها بأسماء الشياطين، يسرد لك من تواريخ شبيبته وكهولته ما لو دونته لكان تاريخا صحيحا ضخما مملوءا بالغرائب والنوادر، وقيل لأحد العلماء إن فلانا حفظ متن البخاري فقال: لقد زادت نسخة في البلد.
ذلك هو السر العظيم في كثرة المتعلمين وقلة العاملين؛ لأن من فهم معلوما من المعلومات حق الفهم أشربته روحه، وخالط لحمه ودمه، ووصل من قلبه إلى سويدائه، وكان إحدى غرائزه لا يرى له بدا من العمل به رضي أم أبى.
لولا أن العلم الديني اليوم علم محفوظ لما وجدت في العلماء من يجمع بين اعتقاد الوحدانية والتردد على أبواب الأحياء والأموات في مزاراتهم أو في مقابرهم يسألهم المعونة والمساعدة على قضاء الله وقدره، ولا وجدت بين الذين يحفظون قوله تعالى {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} من يسند النفع والضرر إلى كل من سال لعابه، وتمزق إهابه، ولا وجدت في الناس كثيرا من ضعفاء العزيمة الذين يحفظون ما ورد على ألسنة النبوة والحكمة من مدح الفضائل وذم الرذائل، ثم لا تجد فرقا بينهم وبين العامة