ترك الإسلام بسرّ عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى، فكانوا ذوي أنفة وعزة وإباء وغيره, يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده في سلطانه: لا تغلُ في تقدير نفسك، ولا تخرجْ عن دائرتك؛ فإنما أنت عبد مخلوق، لا رب معبود، واعلم أنه لا إله إلا الله.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى فقد ذلت رقابهم، وخفقت رءوسهم، وضرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف واستناموا إلى المنزلة الدنيا, فوجد أعداؤهم السبيل إليهم فغلبوهم على أمرهم, وملكوا عليهم نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم فأصبحوا من الخاسرين.
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهنائها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله, ويقولون للأول كما يقول للثاني -جل جلاله: