للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضاجعهم من الجوع تلوّي الأفاعي المضطربة فوق الرمال الملتهبة، وتحت الشمس المحرقة، أسوأ حالا، ولا أنكد عيشا، ولا أكثر عناء، من هؤلاء الفقراء الذين يسميهم الناس أغنياء.

يأكل الموسر الباخل كما يأكل الفقير ويجلس كما يجلس وينام كما ينام ويتشهى كما يتشهى حتى لتكاد تثب أمعاؤه من جوفه وتسيل أحشاؤه من فمه شوقا إلى ما حرّم على نفسه من شهوات العيش وملذاته، ويستنّ١ استنان الجواد الضامر في ميدان السبق وراء الدرهم البعيد مناله حتى تنبهر أنفاسه، وتتخاذل أوصاله، حتى لو تخيل أن نجوم السماء دنانير منثورة لطار إليها بغير جناح فسقط هاويا, أو أن في بطن الأرض كنزا مذخورا لتمنى أن لو انفجر بركانها تحت قدميه فابتلعه, فأصبح من الهالكين.

الغني هو الغني بما في يده عما في أيدي الناس، والفقير هو الذي لا يقنعه في هذه الحياة مقنع، ولا تقف به نفسه عند مطمع, فانظر تحت أي عنوان من هذين العنوانين تضع البخلاء الموسرين.

المجرمون:

حضرت مجلسا من مجالس الأحكام حكم فيه قاضٍ مرتشٍ على متهم سرق رغيفا، فوضعت يميني على فمي مخافة أن يخرج أمر


١ استن الجواد: قمص وعدا, إقبالا وإدبارا.

<<  <  ج: ص:  >  >>