نفسي من يدي, فأهتف صارخا لما ألم بقلبي من الرعب والفزع صرخة تدوي بها جوانب القاعة دوي الموج الثائر في البحر الزاخر، قائلا: مهلا رويدا أيها الحاكم الظالم، فأنت إلى قاض عادل تقف بين يديه أحوج منك إلى كرسي فخم تجلس عليه، ولو عدل القانون بينك وبين هذا الماثل بين يديك لبت وأعلاكما الأسفل.
إنك ترتزق في كل شهر ثلاثين دينارا فلم ترتش إلا لأنك شره طماع، وهذا السارق لم يسرق ذلك الرغيف إلا لأنه جائع ملتاع، ولو ملك مما تملك ثلاثين درهما ما فعل فعلته التي فعل، فأنت مجرم إلا أنك في وشاح شريف، وهو شريف إلا أنه في شملة مجرم.
فيا لله للحقيقة التي عبثت بها القوانين، ولعبت بعقول الناس فيها العناوين.
رب نفس بين جدران السجون أطهر قلبا وأنقى ردنا وأبيض عرضا من مثلها بين جدران القصور، ورب طريدة من طرائد المجتمع الإنساني ساقها المقدار الذي لا مفر من حكمه إلى وقفة فوق أعواد المشنقة كان أجدر بها ذلك المرابي الذي ينصب حبالة ماله لخراب البيوت العامرة، وإطفاء النجوم الزاهرة، أو ذلك القائد الذي يسفك في مواقفه دم مائة ألف أو يزيدون في