للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينهم وازدروه، واستحيوا من اللصوق به، والأخذ بشعائره، فأصبح الواحد منهم لا يجرؤ أن يفتتح خطابه أو كتابه أو طعامه بالبسملة، ولا يجرؤ على السلام أو رده بالصيغة المأثورة، ولا على إقامة الصلوات في أوقاتها في مجتمع عام، ولا على الاعتذار عن ترك منكر من المنكرات بعذر الدين، بل إن فيهم من يرائي بالفسق والضلال كما يرائي الفساق والضلل بالصلاح والتقوى، فيقيم الصلاة في بيته ويزعم أنه تاركها، ويترك شرب الخمر تدينا ويزعم أنه تاركها توفيرا لماله أو خوفا على صحته، فرارا من تهمة التعصب، أي: تهمة التدين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ولم أر في حياتي منظرا أبرد ولا أسمج من منظر المسلم الذي يجالس المسيحي في مجتمع عام فيقول له: إني أحبك محبتي لنفسي؛ لأني أعتقد أن كلينا يعبد إلها واحدا ويدين بدين صحيح يأمر بفضائل الأعمال وينهى عن رذائلها، وربما كان يضمر له في قلبه في تلك الساعة من العداوة والبغضاء ما لو طارت شرارة منه لأحرقتهما جميعا وتركتهما رمادا تذروه الرياح، وعندي أن الأفضل من هذا الرياء الكاذب والدهان المصنوع أن يقول له: إني أعتقد صحة ديني, فلا بد لي من أن أعتقد فساد غيره من

<<  <  ج: ص:  >  >>