ذلك إلى ما كان يراه متجملا به من صلاح مملوء بالركعات والسجدات، والتسبيحات المتواليات، وعفة حتى عن لقمة من الزاد يصيبها على مائدته، وتورع حتى عن جرعة من الماء يتجرعها في حضرته، فاستخلصه لنفسه وأنزله من قلبه المنزلة التي لا يجاوره فيها غير ولده, وأصبح آثر الناس عنده حتى ما يستطيع فراقه لحظة ولا يصبر عنه ساعة إلى أن أحس باقتراب الأجل, فأوصاه بما أوصى وعهد إليه بما عهد.
هذا تاريخ ذلك الصديق في حياة الشيخ، أما تاريخه بعد مماته فسأسمعك منه ما تهوي له الأفلاك عجبا وتخر له الجبال هدا.
لم تكن صلاته إلا رياء ونفاقا وركوعه وسجوده إلا كيدا ودهانا وعفته وزهادته إلا حبالة نصبها ليعلق بها عقل الشيخ وقد علق، فيسلبه ماله وولده وقد فعل، وما كان اختلافه إليه ولا تردده عليه إلا طمعا في هذا المصير الذي صار إليه، فلما علم أن قد تم له من أمره ما أراد أطلق يده في مال الصغير يعبث به عبث النكباء بالعود ويبتاع به لنفسه ما شاء الله أن يبتاع من قصور ودور وبساتين وضياع, فنبه ذكره بعدما كان خاملا، ونبت ريشه بعدما كان عاريا، وأصبح صاحب السلطان المطلق في ذلك القصر يذل من يشاء, ويعز من يشاء.