أما شأنه مع الولد فقد علم أنه سيبلغ عما قليل أشده ويملك رشده, وأنه سيقطع عليه لذته ويقف له موقف المعترض سبيله ويحاسبه على القليل والكثير والصغير والكبير, فلم ير له بدا من أن يعد لذلك اليوم عدته, فعمد إلى الولد فقطعه عن المدرسة لأنه لا يحب أن ينشأ متعلما، ثم أغرى به من ساقه إلى مواطن الفسق ومجامع الشراب لأنه لا يحب أن ينشأ عاقلا، وما زال ينفق عليه وعلى الموكلين بإفساده من وراء حجاب حتى علق برأسه الشراب علوق السلال بالصدور, فأصبح بين الحانات والمواخير كالطائر بين أغصان الأشجار, لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا.
فكأنما وكل بعقله مقراضا يقرض له في كل يوم منه قطعة حتى كاد يأتي عليه، فما بلغ السن التي يرشد فيها القاصرون حتى استحال الوصي على القاصر قيما على المعتوه, ولم يبذل في سبيل الوصول إلى ذلك أكثر من لقيمات ألقاها من فتات تلك المائدة إلى المجلس الحسبي, فأدخله تلك الجنة الزاهرة بغير حساب ولا عقاب.
شرع الله شريعة الحجر على السفهاء والمعتوهين وإقامة القوام عليهم رحمة بهم, فاستحالت على يد المجالس الحسبية نقمة عليهم