لمثله أن يذهب إلى مثلها فتراه يعمد في اختيار ما يختار إلى ما يزعم أنه القريب إلى أذهانهم اللاصق بعقولهم غير الملتوي عليهم ولا المتعثر بهم, فيتبذّل كل التبذّل ويسف كل الإسفاف ويورد في كتابه من قطع الشعر وجمل النثر ما يشبه أن يكون مادة للطفل في هجائه، لا مادة للأديب في بيانه، وسبيل كتب المختارات التي يراد منها غرس ملكة البيان في نفس المتأدب غير سبيل كتب العلم التي لا يراد منها غير حصول ما تشتمل عليه من قواعد العلوم ومسائلها في ذهن المتعلم، ولن تستقر ملكة البيان في النفس حتى يقف المتأدب بطائفة من شريف القول, منظومه ومنثوره وقوف المستثبت المستبصر الذي يرى المعنى بعيدا فيمشي إليه أو نازحا فيستدنيه أو محلقا فيصعد إليه أو متغلغلا فيتمشى في أحشائه حتى يصيب لبه ولا يزال يعالج ذلك علاجا شديدا ينضح له جبينه وتنبهر له أنفاسه حتى تتكيف ملكته بالكيفية التي يريدها، وما أرى هذه النكبة العامة التي أصابت الناشئين في ملكاتهم الكتابية وما رزئوا به من نضوب مادتهم اللغوية والنزوع إلى تلك المنازع الأعجمية في التصور والتخيل إلا أثرا من آثار تلك المختارات التي يجمعها لهم الجامعون جمعا