محفوفا بالحذر والاحتياط, بل بما هو فوق ذلك من الخوف والوسواس فيستكثرون لهم من أبواب الحكم والأخلاق والمواعظ والزهد وأمثال ذلك مما لا يكاد يتراءى فيه قلب الشاعر, ولا تتجلى فيه نفس الكاتب ويفرون الفرار كله من كل ما يتعلق بوصف جمال الطبيعة أو جمال الصناعة أو تصوير عواطف النفوس وخوالجها في الخير والشر والعرف والنكر, كأنما يحسبون أن كل بيت غزل بيت ريبة وكل قصيدة خمرية حانة شراب، وما سمعنا من قبل ولا نحسب أن سيسمع السامعون من بعد أن متأدبا أفسده ديوان غزل أو أغراه بالشراب وصف خمر, لا بل إنما يرد ذلك على من يرد عليه منهم من فساد الخلطاء, أو ضلال المؤدبين.
أما الشعر المشتمل على وصف الجمال, والنثر المتضمن تصوير دقائق المعاني النفسية والخواطر القلبية ما دام بعيدا عن فاحش القول وهجره, فهو أعون الذرائع على تنمية ملكة الفصاحة والبيان في نفس الناشئ؛ لذلك لم أر بدا من أن أستخير الله تعالى في أن أجمع لك يا بني في هذا السفر من جيد المنظوم, والمنثور ما أعلم أنه ألصق بك وأدنى إليك وأنفع لك في تثقيف عقلك وتقويم لسانك وتحليل ما أسأرته الأيام من العجمة في قلمك ولسانك, فهززتُ لك دوحة الأدب العربي هزة تناثرت فيها هذه الثمرات