السماء إذا بها تسمع حشرجة الموت في صدر ولدها, وإذا به ينزع نزعا مؤلما يطير باللب ويذهب ببقية الصبر حتى تفيض نفسه، فماذا جنى هذا الولد الصغير حتى أصبح لا يستحق رحمة من الله, ولا رأفة؟
قلت: وما يدريك لعل الله أراد به خيرا, فرحمه بالموت المعجل من حياة علم أنه سيلقى فيها كما تلقى أنت اليوم عذابا أليما, وشقاء ممضا.
فنالت هذه الكلمة من نفسه وانتفض لها ثم قال: أحسنت يا صديقي، ليت الذين يشقون في هذه الحياة يشعرون بصغر هذه الدنيا وحقارة شأنها, فيتمنون لو لم تلدهم أمهاتهم, ولم يكتب لهم سطر واحد في ألواح المقادير، وبعد فهل لك في سفرة معي إلى صديقي الريفي نقضي عنده يوما واحدا, ثم نعود على أن تكون معي كما كان فتى موسى مع مولاه {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} ؟
فوافيت رغبته وقبلت شرطه, ثم قام وقمت وبودي لو ملكت الدنيا بحذافيرها لحظة واحدة لأهبها لمن يكشف لي سر صديقي ويدلني على نكبته التي زعزعت نفسه وصهرت قلبه وملكت عليه لبه وكادت تعبث بيقينه، وما هي إلا ساعات قلائل حتى