للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعناق أولئك الفرسان, ثم يمزجونها بالماء إلى ما يغطي رءوسهم، فتسلل من مكانه مغتبطا بمجمعهم وبما هيئ لهم من الهناء والنعمة فيه، ثم مر بتلك الدار بعد أيام فرآها مقفرة من أهلها لا تسمع بها نغمة ولا نأمة١, فدخلها فلم ير فيها إلا أعواد ريحان قد يبس أكثرها مبعثرة في جوانبها وخطوطا كانت رسمتها زقاق الخمر فوق تربتها في غدوها ورواحها بين أولئك الندماء، فانصرف حزينا مكتئبا يسمع صفير الريح الضاربة في جوانبها, فيردد قول القائل:

رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال

عصف الدهر بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهر حالا بعد حال

وإن سمع قول الآخر:

ويوم كتنُّور الإماء سجرنه٢ ... وأوقدن فيه الجزل حتى تضر ما

رميت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعيس حتى بض منخرها دما

شعر كأن لهيب تلك الهاجرة يهبّ في وجهه, فيشيح عنه فرارا من لفحاته, ويكاد يبكي رحمة لذلك الشبح المصهور الذي ملكت عليه تلك التنُوفة الحمراء سبيله وحالت بينه وبين


١ النأمة: النغمة والصوت.
٢ سجر الرجل التنور: ملأه وقودا.

<<  <  ج: ص:  >  >>