للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محزنة ترنّ في جوف الليل البهيم، فأنساها الحزن على المريض المشرف الحزن على الفقيد الهالك وعناها أمره فلم تترك وسيلة من وسائل العلاج إلا توسلت بها إليه حتى استفاق, ونظر إلى طبيبته الراكعة بجانب سريره نظرة الشكر والثناء، ثم أنشأ يقص عليها تاريخ حياته فعرفت من أمره كل ما كان يهمها أن تعلمه، فعرفت مسقط رأسه وصلته بزوجها وأنه فتى غريب في قومه لا أب له ولا أم ولا زوجة، وهنا أطرقت برأسها ساعة طويلة عالجت فيها من هواجس النفس ونوازعها ما عالجت، ثم رفعت رأسها وأمسكت بيده وقالت له: إنك قد ثكلت أستاذك وأنا ثكلت زوجي فأصبح همنا واحدا, فهل لك أن تكون عونا لي وأن أكون عونا لك على هذا الدهر الذي لم يترك لنا مساعدا ولا معينا؟ فألم بما في نفسها, فابتسم لها ابتسامة الحزن والمضض وقال لها: من لي يا سيدتي أن أكون عند ظنك بي وهذا المرض الذي يساورني, ولا يكاد يهدأ عني قد نغص علي عيشي وأفسد علي حياتي, وقد أنذرني الطبيب باقتراب ساعة أجلي إلا أن تدركني رحمة الله، فاطلبي سعادتك عند غيري فأنت من بنات الوجود وأنا من أبناء الخلود، فقالت له: إنك ستعيش وسأعالجك ولو كان دواؤك بين سحري ونحري، قال: لا تصدقي يا سيدتي, فأنا عالم بدوائي وعالم

<<  <  ج: ص:  >  >>