للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهي ما غاب عنك من دخيلة أمري، وكأنني أسمعك تقول: ما باله وما شأنه؟ وما الذي يحزنه وما الذي يبكيه؟ حسبي منك ذلك، وهل يجد الإنسان من أوفى أصدقائه أكثر مما أجده في لفتاتك وألمحه في نظراتك من الاهتمام بأمري والعناية بشأني والحزن لحزني والبكاء لبكائي؟

سمعت لامارتين يناجي كلبه بهذا النجاء الرقيق, فانسللت وذهبت لشأني وأنا أقول في نفسي: إذا كان لامارتين وهو أشعر شاعر في فرنسا وفرنسا مهبط وحي الشعر, لم يجد له صديقا وفيا غير كلبه المقعى على عتبة غرفته, فأين يذهب سائر الشعراء, ومتى يجدون الأصدقاء؟

تركت منزل لامارتين وذهبت إلى منزل دي موسيه, فرأيته معتزلا في غرفة من غرف منزله يبكي بكاء مرا ويزفر زفيرا تكاد تتقطع له أحشاؤه فقلت: ليت شعري ما أبكاه، وما الذي دهاه، فسمعته يترنم بقصيدة من قصائده يشرح فيها تاريخ وجده, وهواه شرحا مؤثرا مؤلما حتى خيل إلي أن كل بيت من أبياتها جذوة نار ملتهبة وسمعته يشكو فيها من خيانة حبيبته "جورج صاند" ويعالج نفسه على أن يسلوها ويتناسى عهدها وذمامها فلا يجد إلى ذلك سبيلا، وما هو إلا أن أتم قصيدته حتى تغير لونه وشخص

<<  <  ج: ص:  >  >>