لا تكاد تقيم بها صلبك، وكأنما إدارة الجريدة التي تعمل فيها آلة ميكانيكية أنت فيه عمود يدور اضطرارا، لا إنسان يتحرك اختيارا.
إن هؤلاء الكاتبين الذين تراهم جلوسا على مقاعدهم في إدارات الجرائد المصرية أسوأ الناس حظا وأعظمهم شقاء، يكتب أحدهم في الصباح ما يستحيي له في المساء, ويقول في المساء ما يكتب غيره في الصباح، ويظل طول حياته كرة تتلقفها الأحزاب في أنديتها، والجرائد في إداراتها، ولقد يكتب أحدهم الرسالة يذيب فيها دماغه ويريق فيها عصارة مخه حتى إذا استوت له, وظن أن قد بلغ من الإحسان غايته رفعها إلى رئيسه فما هو إلا أن يقرأها ويرى فيها مدح من لا يحب, أو نقد ما لا يكره حتى يرمي بها وجهه ويردها عليه رد المبتاع على البائع سلعته فيعود بها باكيا مستعبرا، ولا يعلم إلا الله ما يلم بقلبه في تلك الساعة من الحزن على حياة كلها نفاق ورياء، وذل وضرع، يتلمس فيها عقله فلا يجده؛ لأن الصحافة قد ملكته عليه وسلبته إياه، ويسائل عن فهمه وإدراكه فلا يهتدي إليهما ولا يعرف لهما وجودا خاصا بهما؛ لأنه أصبح لا ينطق إلا بلسان غيره، ولا يكتب إلا بقلم سواه.
لولا أن الله سبحانه وتعالى صنع لهؤلاء المحررين فرحمهم بتلك البساطة التي أودعها عقول السواد الأعظم من هذه الأمة