للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لما وجدوا في الناس من يسمع لهم قولا, أو يعتمد لهم رأيا.

من ذا الذي يحفل بفكرة يعلم أنها لم تخالط قلب الكاتب ولم تمتزج بأجزاء نفسه ولم تلتئم مع ما يعرف له من أخلاقه وطباعه وميوله وأهوائه، وما هي إلا طريدة من طرائد الحاجات، وصنيعة من صنائع الحوادث، تعرض ثم تزول كما تعرض وتزول نقائضها وأضدادها، كالأمواج يأخذ بعضها برقاب بعض وتحل أخراها محل أولاها.

من ذا الذي يحفل بفكرة كاتب يحرر في المؤيد اليوم فينتقد اللواء وكاتبه، ويحرر في اللواء غدا فيذم المؤيد وصاحبه، حتى إذا صار إلى "الجريدة" ذم الجريدتين، واستهجن الخطتين.

أنا لا ألوم المحررين على تقلبهم في المذاهب واضطرابهم في الآراء، ولا ألوم أصحاب الصحف على وقوفهم في حياتهم هذه المواقف التي ساقهم إليها العيش ونزولهم تلك المنازل التي ألقتهم فيها يد الحاجات، وإنما ألوم الأمة على استهانتها بأدبائها، واحتقارها لكتابها، وأنها لا تقيم من الوزن لحملة المحابر والأقلام ما تقيمه لحملة المزامير والعيدان، حتى إنك لترى الرجل الذي لا بأس بعقله ولبه وفهمه وإدراكه يسهل عليه أن يمنح مائة دينار لمغنٍّ واحد غنى له صوتا واحدا في ليلة واحدة, ولا يسهل عليه أن يمنح مائة

<<  <  ج: ص:  >  >>