للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعم لا توجد في مصر شكائم في أفواه الناطقين، ولا جوامع في أيدي الكاتبين، ولكن محكمة الرأي العام فيها محكمة وجدانية أكثر منها قانونية، فهي إما أن تبرئ المتهم فتعلو به إلى مدار الأفلاك، أو تدينه فتهوي به إلى مقر الأسماك.

إن كثيرا من عقلاء الرجال في مصر يهابون التصريح بالحقائق التي يعلمون أنها نافعة لأمتهم أكثر مما يهاب الكتاب في سوريا الشكائم والأغلال؛ ذلك لأن الرأي العام هنا متهور في مذاهبه ومراميه, ظالم في أحكامه لم يخط إلى اليوم الخطوة الأولى في احترام الآراء وإجلال الأفكار وإنزالها المنازل التي تستحقها.

إن منظر العقلاء في مصر منظر محزن مؤثر يبعث الرحمة، ويستمطر العبرة، إنهم يعالجون من العامة فوق ما يعالج طبيب البيمارستان من مرضاه، إنهم يعانون من مجاراة الجاهلين في جهالاتهم وكتمان الحقائق التي تغلي في صدورهم غليان الماء في المرجل ما يرنق صفاء العيش ويشوه وجه الحياة، إنهم في حيرة لا يجدون إلى الخلاص منها سبيلا، إن نطقوا بكلمة إصلاح في الدين سماهم الجاهلون كفارا، أو في السياسة سموهم خونة، وإن سكتوا أغضبوا الله وأغضبوا الحق، فهم بين هذا وذاك كهارب من سبع مفترس لم يجد أمامه إلا الماء، فالهلاك إن أحجم، والغرق إن أقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>