ما يعجبه لا ما ينفعه، فطفقت أرتئي بين أن أرضي الحقيقة فأهلك جوعا أو أرضي الأمة فأعيش سعيدا، فغلبني حب الحياة على أمري، فلم أر بدا من الدخول على الأمة من ذينك البابين المعروفين؛ باب الوطنية وباب الدين، فاصطنعتهما لنفسي بعدما كنت أصطنع نفسي لهما، فرغد عيشي وحسن حالي وأصبحت لا يكدر علي صفائي غير الأسف على الحقيقة الضائعة.
هذه الأمة المصرية أيها الكاتب الفاضل، وهذه صحافتها، وهذا مبلغ الرأي العام فيها، وهذا موقف العقلاء بين يديه، فهل تظن بعد ذلك أن كاتبا يستطيع أن يقول للأمة ما لا تهوى، أو يجرؤ على التصريح بحقيقة يعتقدها بين هذا الشعب الهائج, وتلك الصحافة المتملقة.
إن كثيرا من عقلاء مصر ينكرون كما تنكر أنت نصب تمثال للمرحوم مصطفى كامل باشا لا لصفته الشخصية, فإنه ممن يستحقون الإجلال والإعظام، بل لأنه مسلم شرقي، والأمة التي تريد نصب تمثال له مسلمة شرقية كذلك، فإسلامها يحرم عليها نصب التماثيل وشرقيتها تنعَى عليها هذا الإسفاف في تقليد الغربيين في جميع عاداتهم ومألوفاتهم, بينما هم يترفعون على الاعتراف باستحسان شيء من عاداتنا وصفاتنا, فضلا عن الأخذ بها أو محاكاتها،