إن نصب الغربيين التماثيل لنوابغ الرجال فلسفة تاريخية أرادوا بها تمثيل التاريخ اليوناني القديم, وإنزال عظمائهم ونوابغهم منزلة الآلهة وأنصاف الآلهة في ذلك التاريخ، أي: إنها عادة منحوتة من الديانات الوثنية، فهل يجمل بنا معشر المسلمين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- هادم الأصنام وكاسر الأوثان، أن نحفل بعادة هذا منشؤها وتلك غايتها، وأن نستقبل بصدر رحب نصب التماثيل في بلد هي بقعة الإسلام، وباب البيت الحرام، ومعهد الأزهر الشريف، ومدفن الصحابة والتابعين والأئمة المطهرين.
أيجمل بنا أن نتخذ هذه العادات الوثنية في عصر ندعو فيه إلى الإصلاح الإسلامي ونحارب العوائد الخرافية الداخلة في الدين لنرجع به إلى عصره الأول عصر السلف الصالح حيث لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله؟!
على أنه إن كان الغرض من نصب التمثال للرجل العظيم تخليد ذكره واستبقاء صورته مرتسمة في أذهان الأجيال المستقبلة حتى لا تنساه, فإن جميع رجال الإسلام من علماء الدين إلى علماء الفنون لا تزال محفوظة بين الجوانح مآثرهم ومفاخرهم، مذكورة على الألسنة أسماؤهم وألقابهم، ولا نعرف لواحد منهم صورة مرسومة أو تمثالا قائما.