إن كان في أعمال الرجل وآثاره ما يضمن له بقاء ذكره في صدور الأجيال ومستقبل القرون فلا حاجة به إلى تمثال يخلد ذكره، أو لا، فمن المغالطة التاريخية الاحتيال على بقاء ذكره بنصب تمثاله.
إن المسلمين لم يألفوا قبل اليوم أن يعتبروا نصب التمثال للرجل عنوان عظمته أو جائزة أدبية يكافأ بها على عمله، أي: إنه لا يوجد فيهم من إذا رأى تمثالا قائما يقول: ليتني أنفع أمتي أو أخدم وطني فينصب لي بعد موتي تمثال كهذا التمثال، فإذًا لا يمكن أن يكون نصب التماثيل في البلاد الإسلامية داعية الجد والاجتهاد في الأعمال، أو باعثا على التشبه بعظماء الرجال.
إن للرجل العظيم بعد موته جلالا في القلوب لا يذهب به إلا نصب تمثاله على قارعة الطريق تحت نظرات الرجال والنساء والأطفال والأذكياء والأغبياء ومن يعرف قيمة الرجال ومن يجهل فائدة التمثال ومن لا يرى فرقا بينه وبين الصور الخشبية المنصوبة في حوانيت التجار.
وغاية ما يستنتجه السواد الأعظم عند رؤية تمثال لأحد عظماء الرجال معرفة صورته الظاهرية, وأنه طويل أو قصير ونحيف أو بدين، وهي اعتبارات لا يعتد بها في رجولة الرجل ولا علاقة بينها وبين علمه وجهله، وذكائه وغباوته، وجبنه وشجاعته، وإنما