للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكنت ترى منزل الرجل كأنما هو مجمع من مجامع السفراء: عثماني متمسك بعثمانيته، وإنجليزي يهتف ليله ونهاره بأن دولة الإنجليز سيدة البحار وأن الشمس لا تغيب عن أملاكها، وفرنسي يعبد فرنسا ويسبح بحمدها ويصفها بأنها أمة العدل والرحمة وأن أسعد المستعمرات مستعمراتها، وألماني يستظهر خطب الإمبراطور غليوم وينجِّم أن المستقبل لألمانيا يوم يمحى اسم إنجلترا وفرنسا من مصورات الجغرافيا، وكثيرا ما يقع بين المتفرنس والمتألمن النزاع الطويل في شأن الألزاس واللورين وبين المتألمن والمتجلنز الشقاق العظيم في واقعة واترلو وأي القائدين كان له الغلب والفضل في كسر نابليون بلوخر أو والنجتون، ولا يتفقون إلا في الساعة التي يذكرون فيها أمتهم فإنهم يمثلونها لأنفسهم وللناس أقبح تمثيل, ويلبسونها ورجالها قديما وحديثا أثواب المرافع المضحكة غير مستحيين من أنفسهم ولا من الناس, ولا مبالين بالأدمع المنهلة من عيني والدهم الجالس ناحية يندبهم, ويندب نفسه معهم، فبئس الاختلاف حين يختلفون، ولا حبذا الاتفاق يوم يتفقون.

وهكذا انحلت الجامعة في هذا المنزل وتفرق أفراد تلك العائلة أيما تفرق, وانقسموا على أنفسهم كل الانقسام, فلا يصطحبون في

<<  <  ج: ص:  >  >>