للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وملابس زاهية، ومناظر زاهرة، وفرش وثيرة، وآنية صقيلة، وأدوات للمأكل والمشرب ثمينة، ولكنهم لم يكونوا محرومين في أنفسهم وفي خطرات عقولهم شيئا من هذا كله؛ لأنهم ألفوا معيشتهم البسيطة كما ألفنا نحن هذه المعيشة المركبة، فنحن وهم سواء في الرضى بحالتينا، إلا أن معيشتنا يكدرها الفقر والإفلاس الآجل أو العاجل، ومعيشتهم لم يكن يكدرها من ذلك شيء، وها هي دفاتر الصرف وبيوت الأموال مكتظة بديون الفلاحين التي كانوا في غنى عنها لولا المدنية الحاضرة التي قلبت الكماليات في نظرهم إلى حاجيات، فبنوا القصور، وشادوا الدور، وما شادوا لو يعلمون إلا قبورا دفنوا فيها راحتهم وهناءهم ومستقبلهم ومستقبل ذريتهم من بعدهم، فإن هؤلاء الأولاد المساكين بعد أن خرجوا من المدارس بلا دين, ولا وطن أرادوا أن لا يبقوا في قوس الحرية منزعا فأطلقوا لأنفسهم العنان في سبيل الشهوات واللذائذ, فكانوا يسهرون الليل بين رنين الكاسات، وغزل الغانيات، ثم ينامون النهار بين التمطي والثؤباء حتى نبت بهم وظائفهم التي هي كل ما حصلوا عليه من علومهم ومعارفهم فأبعدتهم عنها, فأصبحوا كلا على أبيهم وعلى الناس لم ينفعهم علمهم ولم تغن عنهم شهاداتهم بعد أن نفخت الكبرياء

<<  <  ج: ص:  >  >>