للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمشرب والمضجع والمستحمّ وأنه لا يزال في مصلاه, فهبطت إليه في خلوته أهيب ما أكون له, فرأيته جالسا إلى قبلته يقلب وجهه في السماء، ويكرر هذا الدعاء:

"اللهم لا راد لقضائك، ولا سخط على بلائك، أمرت فأطعنا وابتليت فرضينا، فأمطرنا غيث إحسانك, وأذقنا برد رحمتك، وألهمنا جميل صبرك، وثبت قلوبنا على طاعتك، فلا عون إلا بك، ولا ملجأ إلا إليك، إنك أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين"١.

ثم أطرق بعد ذلك إطراقا طويلا خلتُ أنه وصل فيه إلى مقام التجريد, وأن الذي أراه بين يدي جسد هامد قد أسرى بروحه إلى الملأ الأعلى, فجعلت أختلس الخطا إليه حتى صاقبته، فرفع رأسه إلي ذاهلا، وقال: أنت هنا؟ قلت: نعم، قال: في أي سنة نحن من تاريخ الهجرة؟ فعجبت لسؤاله وقلت: في السنة


١ حدّث القاضي أبو الفتح أنه دخل على أبي العلاء في خلوته فسمعه يقول, وهو لا يعلم بمكانه:
كم بودرت غادة كعوب ... وعمرت أمها العجوز
يجوز أن تبطئ المنايا ... والخلد في الدهر لا يجوز
ثم تأوه مرات وتلا قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ} الآية, ثم صاح وبكى بكاء شديدا وطرح نفسه على الأرض وهو يقول: سبحان من هذا كلامه، قال: فعلمت صحة دينه ويقينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>